بإزائهما النّوشجان والفيومان بالوركاء ؛ فزحفوا إليهما فغلبوهما على الوركاء ؛ قلت : إن صحّ هذا فبالعراق نعمان والجعرانة متقاربتان كما بالحجاز نعمان والجعرانة متقاربتان.
الجَعْفَرِيُّ : هذا اسم قصر بناه أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بالله قرب سامرّاء بموضع يسمّى الماحوزة فاستحدث عنده مدينة وانتقل إليها وأقطع القوّاد منها قطائع فصارت أكبر من سامرّاء ، وشقّ إليها نهرا فوهته على عشرة فراسخ من الجعفريّ يعرف بجبّة دجلة ، وفي هذا القصر قتل المتوكل في شوال سنة ٢٤٧ فعاد الناس إلى سامرّاء ، وكانت النفقة عليه عشرة آلاف درهم ؛ كذا ذكر بعضهم في كتاب أبي عبد الله بن عبدوس ، وفي سنة ٢٤٥ بنى المتوكل الجعفريّ وأنفق عليه ألفي ألف دينار ، وكان المتولي لذلك دليل بن يعقوب النصراني كاتب بغا الشرابي ؛ قلت : وهذا الذي ذكره ابن عبدوس أضعاف ما تقدّم لأن الدراهم كانت في أيام المتوكل كل خمسة وعشرين درهما بدينار فيكون عن ألفي ألف دينار خمسون ألف ألف درهم ، قال : ولما عزم المتوكل على بناء الجعفري تقدّم إلى أحمد ابن إسرائيل باختيار رجل يتقلد المستغلات بالجعفري من قبل أن يبنى وإخراج فضول ما بناه الناس من المنازل ، فسمّى له أبا الخطاب الحسن بن محمد الكاتب ، فكتب الحسن بن محمد إلى أبي عون لما دعي إلى هذا العمل :
إني خرجت إليك من أعجوبة |
|
مما سمعت به ، ولمّا تسمع |
سميت للأسواق ، قبل بنائها ، |
|
ووليت فضل قطائع لم تقطع |
ولما انتقل المتوكل من سامرّاء إلى الجعفري انتقل معه عامة أهل سامرّاء حتى كادت تخلو ؛ فقال في ذلك أبو عليّ البصير هذه الأبيات :
إن الحقيقة غير ما يتوهّم ، |
|
فاختر لنفسك أي أمر تعزم |
أتكون في القوم الذين تأخروا |
|
عن خطّهم أم في الذين تقدّموا |
لا تقعدنّ تلوم نفسك ، حين لا |
|
يجدي عليك تلوّم وتندّم |
أضحت قفارا سرّ من را ما بها |
|
إلّا لمنقطع به متلوّم |
تبكي بظاهر وحشة ، وكأنها |
|
إن لم تكن تبكي بعين تسجم |
كانت تظلّم كلّ أرض مرّة |
|
منهم ، فصارت بعدهن تظلّم |
رحل الإمام فأصبحت ، وكأنها |
|
عرصات مكة حين يمضي الموسم |
وكأنما تلك الشوارع بعض ما |
|
أخلت إياد ، من البلاد ، وجرهم |
كانت معادا للعيون ، فأصبحت |
|
عظة ومعتبرا لمن يتوسّم |
وكأن مسجدها ، المشيد بناؤه ، |
|
ربع أحال ومنزل مترسّم |
وإذا مررت بسوقها لم تثن عن |
|
سنن الطريق ، ولم تجد من يزحم |
وترى الذراري والنساء ، كأنهم |
|
خلق أقام وغاب عنه القيّم |
فارحل إلى الأرض التي يحتلّها |
|
خير البريّة ، إن ذاك الأحزم |