فكم قد مرّ من عدد الليالي ، |
|
لعصركما ، وعام بعد عام |
وإنكما ، على مرّ الليالي ، |
|
لأبقى من فروع ابني شمام |
فإن أهلك ، فربّ مسوّمات |
|
ضوامر تحت فتيان كرام |
فرائصها من الإقدام فزع ، |
|
وفي أرساغها قطع الخدام |
هبطن بهنّ مجهولا مخوفا |
|
قليل الماء مصفرّ الجمام |
فلما أن روين صدرن عنه ، |
|
وجئن فروع كاسية العظام |
قال المدائني : فقدم أوس بن ثعلبة على يزيد بن معاوية فأنشده هذه الأبيات ، فقال يزيد : لله درّ أهل العراق! هاتان الصورتان فيكم يا أهل الشام لم يذكرهما أحد منكم ، فمرّ بهما هذا العراقي مرّة فقال ما قال ؛ ويروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال : دخلت مع أبي دلف إلى الشام فلما دخلنا تدمر وقف على هاتين الصورتين ، فأخبرته بخبر أوس بن ثعلبة وأنشدته شعره فيهما ، فأطرق قليلا ثم أنشدني :
ما صورتان بتدمر قد راعتا |
|
أهل الحجى وجماعة العشّاق |
غبرا على طول الزمان ومرّه ، |
|
لم يسأما من ألفة وعناق |
فليرمينّ الدهر من نكباته |
|
شخصيهما منه بسهم فراق |
وليبلينّهما الزمان بكرّه ، |
|
وتعاقب الإظلام والإشراق |
كي يعلم العلماء أن لا خالد |
|
غير الإله الواحد الخلّاق |
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما :
أتدمر صورتاك هما لقلبي |
|
غرام ، ليس يشبهه غرام |
أفكّر فيكما فيطير نومي ، |
|
إذا أخذت مضاجعها النيام |
أقول من التعجّب : أيّ شيء |
|
أقامهما ، فقد طال القيام |
أملّكتا قيام الدهر طبعا ، |
|
فذلك ليس يملكه الأنام |
كأنهما معا قرنان قاما ، |
|
ألجّهما لدى قاض خصام |
يمرّ الدهر يوما بعد يوم ، |
|
ويمضي عامه يتلوه عام |
ومكثهما يزيدهما جمالا ، |
|
جمال الدّرّ زيّنه النّظام |
وما تعدوهما بكتاب دهر ، |
|
سجيّته اصطلام واخترام |
وقال أبو الحسن العجلي فيهما :
أرى بتدمر تمثالين زانهما |
|
تأنق الصانع المستغرق الفطن |
هما اللتان يروق العين حسنهما ، |
|
تستعطفان قلوب الخلق بالفتن |
وفتحت تدمر صلحا ، وذاك أن خالد بن الوليد ، رضي الله عنه ، مرّ بهم في طريقه من العراق إلى الشام فتحصنوا منه ، فأحاط بهم من كلّ وجه ، فلم يقدر عليهم ، فلما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال :