عن سعيد بن سلم قال : أخبرني مطيع بن إياس أنه كان مع سلم بن قتيبة بالرّيّ ، فلما خرج إبراهيم بن الحسن كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد ، قال مطيع ابن إياس : وكانت لي جارية يقال لها جوذابة كنت أحبّها ، فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجارية فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتتبعتها نفسي ، فنزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية واشتقت إليها فأنشدت أقول :
أسعداني يا نخلتي حلوان ، |
|
وابكياني من ريب هذا الزمان |
واعلما أن ريبه لم يزل يف |
|
رق بين الألّاف والجيران |
ولعمري ، لو ذقتما ألم الفر |
|
قة أبكاكما الذي أبكاني |
أسعداني ، وأيقنا أن نحسا |
|
سوف يأتيكما فتفترقان |
كم رمتني صروف هذي الليالي |
|
بفراق الأحباب والخلّان |
غير أني لم تلق نفسي كما لا |
|
قيت من فرقة ابنة الدهقان |
جارة لي بالريّ تذهب همّي ، |
|
ويسلّي دنوّها أحزاني |
فجعتني الأيام ، أغبط ما كن |
|
ت ، بصدع للبين غير مدان |
وبزعمي أن أصبحت لا تراها ال |
|
عين مني ، وأصبحت لا تراني |
وعن سعيد بن سلم عن مطيع قال : كانت لي بالرّيّ ، جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة ، فكنت أتستر بها وأتعشق امرأة من بنات الدهاقين ، وكنت نازلا إلى جنبها في دار لها ، فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة ، فلما نزلنا بعقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة وقلت ، وذكر الأبيات ، فقال لي سلم : فيمن هذه الأبيات ، أفي جاريتك؟ فاستحييت أن أصدقه فقلت : نعم ، فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي ، فلم يلبث أن ورد كتابه بأني قد وجدتها وقد تداولها الرجال وقد بلغت خمسة آلاف درهم فإن أمرت أن أشتريها ، فأخبرني بذلك سلم وقال : أيما أحب إليك هي أم خمسة آلاف درهم؟ فقلت : أما إن كانت قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها ، فأمر لي بخمسة آلاف درهم ، فقلت : والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولا أبالي لو ناكها أهل منى كلهم ، وذكر المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق وكانت تضيّقه وتزدحم الأثقال عليه فأمر بقطعها ، فأنشد قول مطيع :
واعلما إن بقيتما أن نحسا |
|
سوف يلقاكما فتفترقان |
فقال : لا والله لا كنت ذلك النحس الذي يفرق بينهما! فانصرف وتركهما ، وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسماعيل بن داود أن المهدي قال : أكثر الشعراء في ذكر نخلتي حلوان ولهممت بقطعهما فبلغ قولي المنصور فكتب إليّ : بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان ولا فائدة لك في قطعهما ولا ضرر عليك في بقائهما وأنا أعيذك بالله أن تكون