بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل ، فقال له : إن كلامك لحسن ولكن في هذا نظر فانظر ، فخرج البصري ثم عاد إليه فرد كلامه فقال : إن كلامك لحسن وقد وقع في قلبي وقد آمنت بك وهذا الدين المستقيم ، قال : فأمر أن لا يحجب ، قال : فأقبل البصري يتردد ويعرف مداخله ومخارجه وأين يذهب وأين يهرب حتى صار من أخص الناس به ، ثم قال له : ائذن لي ، فقال : إلى أين؟ فقال : إلى البصرة أكون أول داعية لك بها ، قال : فأذن له فخرج البصري مسرعا إلى عبد الملك وهو بالصّبيرة ، فلما دنا من سرادقه صاح النصيحة النصيحة! فقال أهل العسكر : وما نصيحتك؟ قال : هي نصيحة لأمير المؤمنين ، قال : فأمر عبد الملك أن يأذنوا له فدخل وعنده أصحابه ، قال : فصاح النصيحة النصيحة! فقال : وما نصيحتك؟ قال : اخلني لا يكن عندك أحد ، قال : فأخرج من كان عنده ، وكان عبد الملك قد اتهم أهل عسكره أن يكون هواهم معه ، ثم قال له : ادنني ، فأدناه وعبد الملك على السرير ، فقال : ما عندك؟ فقال : عندي أخبار الحارث ، فلما سمع عبد الملك بذكر الحارث طرد نفسه من السرير ثم قال : أين هو؟ قال : يا أمير المؤمنين هو بالبيت المقدس وقد عرفت مداخله ، وقص عليه قصته وكيف صنع به ، فقال له : أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرها ههنا فمرني بما شئت ، فقال : ابعث معي قوما لا يفقهون الكلام ، فأمر أربعين رجلا من أهل فرغانة وقال لهم : انطلقوا مع هذا فما أمركم به من شيء فأطيعوه ، قال : وكتب إلى صاحب بيت المقدس إن فلانا لأمير عليك حتى تخرج فأطعه فيما يأمرك به ، فلما قدم البيت المقدس أعطاه الكتاب فقال له : مرني بما شئت ، فقال له : اجمع لي إن قدرت كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس فإذا قلت أسرجوا فليسرجوا جميعا ، قال : فرتبهم في أزقة بيت المقدس وفي زواياها بالشمع ، فأقبل البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب وقال للحاجب : استأذن لي على نبي الله ، قال : في هذه الساعة ما يؤذن عليه حتى تصبح! قال : أعلمه إنما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل ، قال : فدخل عليه فأعلمه كلامه ففتح الباب ثم صاح البصري أسرجوا فأسرجت الشموع حتى كان بيت المقدس كأنه نهار ، ثم قال : كل من مرّ بكم فاضبطوه ، قال : ودخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فنظره فلم يجده فقال أصحابه : هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله وقد رفعه الله إلى السماء! قال : فطلبه في شقّ كان هيأه سربا فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا بثوبه فاجتره فأخرجه إلى خارج ثم قال للفرغانيين : اربطوه فربطوه ، فبينما هم كذلك يسيرون به على البريد إذ قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فقال أهل فرغانة أولئك العجم : هذا كراننا فهات كرانك أنت ، فسار به حتى أتى عبد الملك ، فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فأصاب ضلعا من أضلاعه فكاعت الحربة ، فجعل الناس يصيحون : الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح! فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى بها إليه ثم أقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذها فقتله ، فقال الوليد : ولقد بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال : لو حضرتك ما أمرتك بقتله! قال : ولم؟ قال : إنما كان به المذهب فلو جوعته لذهب عنه ذلك ، والمذهب الوسوسة ، ومنه المذهب وهو وسوسة الوضوء ونحوه. قال القاضي عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص : كان