قيس في سنة ١٨ فدخلها وتملّك مدنها فبدأ بالطّبسين ثم هراة ومرو الشاهجان ونيسابور في مدّة يسيرة ، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر ، فقال ربعي بن عامر في ذلك :
ونحن وردنا ، من هراة ، مناهلا |
|
رواء من المروين ، إن كنت جاهلا |
وبلخ ونيسابور قد شقيت بنا ، |
|
وطوس ومرو قد أزرنا القنابلا |
أنخنا عليها ، كورة بعد كورة ، |
|
نفضّهم حتى احتوينا المناهلا |
فلله عينا من رأى مثلنا معا ، |
|
غداة أزرنا الخيل تركا وكابلا |
وبقي المسلمون على ذلك إلى أن مات عمر ، رضي الله عنه ، وولي عثمان ، فلما كان لسنتين من ولايته ثرا بنو كنازا ، وهم أخوال كسرى ، بنيسابور وألجئوا عبد الرحمن بن سمرة وعمّاله إلى مرو الروذ وثنّى أهل مرو الشاهجان وثلّث نيزك التركي فاستولى على بلخ وألجأ من بها من المسلمين إلى مرو الروذ وعليها عبد الرحمن بن سمرة ، فكتب ابن سمرة إلى عثمان بخلع أهل خراسان ؛ فقال أسيد بن المتشمّس المرّيّ :
ألا أبلغا عثمان عني رسالة ، |
|
فقد لقيت عنّا خراسان بالغدر |
فأذك ، هداك الله ، حربا مقيمة |
|
بمروي خراسان العريضة في الدّهر |
ولا تفترز عنّا ، فإن عدوّنا |
|
لآل كنازاء الممدّين بالجسر |
فأرسل إلى ابن عامر عبد الله بن بشر في جند أهل البصرة ، فخرج ابن عامر في الجنود حتى تولّج خراسان من جهة يزد والطّبسين وبثّ الجنود في كورها وساروا نحو هراة فافتتح البلاد في مدّة يسيرة وأعاد عمال المسلمين عليها ، وقال أسيد بن المتشمّس بعد استرداد خراسان :
ألا أبلغا عثمان عنّي رسالة ، |
|
لقد لقيت منّا خراسان ناطحا |
رميناهم بالخيل من كلّ جانب ، |
|
فولّوا سراعا واستقادوا النوائحا |
غداة رأوا خيل العراب مغيرة ، |
|
تقرّب منهم أسدهنّ الكوالحا |
تنادوا إلينا واستجاروا بعهدنا ، |
|
وعادوا كلابا في الديار نوابحا |
وكان محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس قال لدعاته حين أراد توجيههم إلى الأمصار : أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة عليّ وولده والبصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكفّ ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى ، وأما الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان ، وطاعة بني مروان عداوة راسخة وجهل متراكم ، وأما مكة والمدينة فغلب عليهما أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بأهل خراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسّمها الأهواء ولم تتوزعها النّحل ولم يقدم عليهم فساد ، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة ، فلما بلغ الله إرادته من بني أمية وبني العباس أقام أهل خراسان مع خلفائهم على أحسن حال وهم أشدّ طاعة وأكثر تعظيما للسلطان وهو أحمد سيرة في رعيته