باتخاذ فرش لهذا الموضع ، وقد بقي شيء لم يتهيأ اتخاذه وقد عوّلنا على خزائن أمير المؤمنين ، إما عارية أو هبة ، قال : بل هبة ، وأسفر إليه بوجهه ووقع منه بموقع وقال : أبى الله أن يقال عنك إلا ما هو لك أو يطعن عليك إلا يرفعك ، وو الله لا سكنه أحد سواك ولا تمم ما يعوزه من الفرش إلا من خزائننا ، وزال من نفس الرشيد ما كان خاطره وظفر بالقصر بطمأنينة ، فلم يزل جعفر يتردّد إليه أيام فرجه ومتنزّهاته إلى أن أوقع بهم الرشيد ، وكان إلى ذلك الوقت يسمّى القصر الجعفري ، ثم انتقل إلى المأمون فكان من أحبّ المواضع إليه وأشهاها لديه ، واقتطع جملة من البرية عملها ميدانا لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيّزا لجميع الوحوش وفتح له بابا شرقيّا إلى جانب البرية وأجرى فيه نهرا ساقه من نهر المعلّى وابتنى مثله قريبا منه منازل برسم خاصته وأصحابه سميت المأمونية ، وهي إلى الآن الشارع الأعظم فيما بين عقدي المصطنع والزّرّادين ، وكان قد أسكن فيه الفضل والحسن ابني سهل ، ثم توجّه المأمون واليا بخراسان والمقام بها وفي صحبته الفضل والحسن ، ثم كان الذي كان من إنفاذ العساكر ومقتل الأمين على يد طاهر بن الحسين ومصير الأمر إلى المأمون ، فأنفذ الحسن بن سهل خليفة له على العراق ، فوردها في سنة ١٩٨ ، ونزل في القصر المذكور وكان يعرف بالمأموني ، وشفع ذلك أن تزوّج المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل بمرو بولاية عمها الفضل ، فلما قدم المأمون من خراسان في سنة ٢٠٣ دخل إلى قصور الخلافة بالخلد وبقي الحسن مقيما في القصر المأموني إلى أن عمل على عرس بوران بفم الصّلح ، ونقلت إلى بغداد وأنزلت بالقصر ، وطلبه الحسن من المأمون فوهبه له وكتبه باسمه وأضاف إليه ما حوله ، وغلب عليه اسم الحسن فعرف به مدة ، وكان يقال له القصر الحسني. فلما طوت العصور ملك المأمون والقصور وصار الحسن بن سهل من أهل القبور ، بقي القصر لابنته بوران إلى أيّام المعتمد على الله ، فاستنزلها المعتمد عنه وأمر بتعويضها منه ، فاستمهلته ريثما تفرغ من شغلها وتنقل مالها وأهلها ، وأخذت في إصلاحه وتجديده ورمّه وأعادت ما دثر منه وفرشته بالفرش المذهبة والنمارق المقصبة وزخرفت أبوابه بالستور وملأت خزائنه بأنواع الطّرف مما يحسن موقعه عند الخلفاء ورتبت في خزائنه ما يحتاج إليه الجواري والخدم الخصيان ، ثم انتقلت إلى غيره وراسلت المعتمد باعتماد أمره ، فأتاه فرأى ما أعجبه وأرضاه واستحسنه واشتهاه وصار من أحبّ البقاع إليه ، وكان يتردّد فيما بينه وبين سرّ من رأى فيقيم هناك تارة وهناك أخرى ؛ ثم توفي المعتمد ، وهو أبو العباس أحمد بن المتوكل على الله بالقصر الحسني سنة ٢٧٩ ، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أيام ، وحمل إلى سامرّاء فدفن بها ، ثم استولاه المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفّق الناصر لدين الله أبي أحمد بن المتوكل ، فاستضاف إلى القصر الحسني ما جاوره فوسّعه وكبّره وأدار عليه سورا واتخذ حوله منازل كثيرة ودورا واقتطع من البرية قطعة فعملها ميدانا عوضا من الميدان الذي أدخله في العمارة وابتدأ في بناء التاج وجمع الرجال لحفر الأساسات ، ثم اتفق خروجه إلى آمد ، فلما عاد رأى الدخان يرتفع إلى الدار فكرهه وابتنى على نحو ميلين منه الموضع المعروف بالثّريّا ووصل بناء الثريا بالقصر الحسني ، وابتنى تحت القصر آزاجا من القصر إلى الثريا تمشي جواريه فيها وحرمه وسراريه ، وما زال باقيا إلى الغرق الأول الذي صار ببغداد فعفا أثره. ثم مات المعتضد بالله في