حصينة غرم فيها مالا وافرا ، فحاصروه مدة فقتل عليه أمير من أمراء المسلمين يعرف ببدر الدين محمد ابن أبي القاسم الهكّاري وقتل كند من أكناد الأفرنج كبير مشهور فيهم ، فتشاءموا بالمقام على الطور ورجعوا إلى عكا واختلفوا هناك ، فقال ملك الهنكر : الرأي أنا نمضي إلى دمشق ونحاصرها فإذا أخذناها فقد ملكنا الشام ، فقال الملك النّوّام ، قالوا : إنما سمي بذلك لأنه كان إذا نازل حصنا نام عليه حتى يأخذه أي أنه كان صبورا على حصار القلاع ، واسمه دستريج ومعناه المعلم بالريش لأن أعلامه كانت الريش ، فقال : نمضي إلى مصر فإن العساكر مجتمعة عند العادل ومصر خالية ، فأدّى هذا الاختلاف إلى انصراف ملك الهنكر مغاضبا إلى بلده ، فتوجه باقي عساكرهم إلى دمياط فوصلوها في أيام من صفر سنة ٦١٥ والعادل نازل على خربة اللّصوص بالشام وقد وجه بعض عساكره إلى مصر ، وكان ابنه الملك الأشرف موسى بن العادل نازلا على مجمع المروج بين سلمية وحمص خوفا من عادية تكون منهم من هذه الجهة ، واتفق خروج ملك الروم ابن قليج ارسلان إلى نواحي حلب وأخذ منها ثلاثة حصون عظيمة : رعبان وتل باشر وبرج الرّصاص ، كلها في ربيع الأول من السنة ، وبلغ عسكره إلى حدود بزاعة ، وانتهى ذلك إلى الملك الأشرف فجاء فيمن انضم إليه من عساكر حلب فواقعه بين منبج وبزاعة فكسره وأسر أعيان عسكره ثم منّ عليهم وذلك في ربيع الآخر ، وبلغ خبر ذلك إلى ملك الروم وهو قيقاوس بن قليج أرسلان وهو نازل على منبج فقلق لذلك حتى قال من شاهده إنه رآه يختلج كالمحموم ثم تقيّأ شيئا شبيها بالدم ورحل من فوره راجعا إلى بلده والعساكر تتبعه ، وكان انفصاله في الحادي عشر من جمادى الأولى سنة ٦١٥ ، وقد استكمل شهرين بوروده ، واستعبد على الفور تل باشر ورعبان وبرج اللصوص ، ورجع إليه أصحابه الذين كانوا مقيمين بهذه الحصون الثلاثة وكانوا قد سلموها بالأمان ، جمع منهم متقدما وتركهم في بيت من بيوت ربض ترتوش وأضرم فيه النار فاحترقوا ، وكان فيهم ولد إبراهيم خوانسلار صاحب مرعش ، فرجع إلى بلده وأقام يسيرا ومات واستولى على ملكه أخوه وكان في حبسه ، ولما استرجع الملك الأشرف من هذه الحصون الثلاثة ورجع قاصدا إلى حلب ودخل في حدها ورد عليه الخبر بوفاة أبيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، وكانت وفاته بمنزلة على خربة اللصوص وإنما كانت في يوم الأحد السابع من جمادى الأولى سنة ٦١٥ ، فكتم ذلك ولم يظهره إلى أن نزل بظاهر حلب وخرج الناس للعزاء ثلاثة أيام ، وأما الأفرنج فإنهم نزلوا على دمياط في صفر سنة ١٥ وأقاموا عليها إلى السابع والعشرين من شعبان سنة ١٦ وملكوها بعد جوع وبلاء كان في أهلها وسبوهم ، فحينئذ أنفذ الملك المعظم وخرّب بيت المقدس وبيع ما كان فيها من الحليّ وجلا أهلها ، وبلغ ذلك الملك الأشرف فمضى إلى الموصل لإصلاح خلل كان فيه بين لؤلؤ ومظفّر الدين بن زين الدين ، فلما صلح ما بينهما توجه إليها وكان أخوه الملك الكامل بإزاء الأفرنج في هذه المدة ، فقدمها الملك الأشرف وانتزعها من أيديهم في رجب سنة ١٨ ومنّوا على الأفرنج بعد حصولهم في أيديهم ، وكان قد وصل في هذا الوقت كند من وراء البحر وحصل في دمياط وخافوا إن لم يمنّوا على الأفرنج أن يتخذوا بحصول ذلك الكند الواصل شغل قلب فصانعوهم بنفوسهم عن دمياط فعادت إلى المسلمين.