عليه وسلم : يا عمر إنه سيفتح على يديك بمصر ثغران الإسكندرية ودمياط ، فأما الإسكندرية فخرابها من البربر ، وأما دمياط فهم صفوة من شهداء من رابطها ليلة كان معي في حظيرة القدس مع النبيّين والشهداء ، ومن شمالي دمياط يصبّ ماء النيل إلى البحر الملح في موضع يقال له الأشتوم ، عرض النيل هناك نحو مائة ذراع ، وعليه من جانبيه برجان بينهما سلسلة حديد عليها حرس لا يخرج مركب إلى البحر الملح ولا يدخل إلّا بإذن ، ومن قبلها خليج يأخذ من بحرها سمت القبلة إلى تنّيس ، وعلى سورها محارس ورباطات ، قال الحسن بن محمد المهلبي : ومن طريف أمر دمياط وتنيس أنّ الحاكة بها الذين يعملون هذه الثياب الرفيعة قبط من سفلة الناس وأوضعهم وأخسهم مطعما ومشربا ، وأكثر أكلهم السمك المملوح والطريّ والصّير المنتن ، وأكثرهم يأكل ولا يغسّل يده ثم يعود إلى تلك الثياب الرفيعة الجليلة القدر فيبطش بها ويعمل في غزولها ثم ينقطع الثوب فلا يشك مقلّبه للابتياع أنه قد بخر بالندّ ، قال : ومن طريف أمر دمياط في قبليّها على الخليج مستعمل فيه غرف تعرف بالمعامل ، يستأجرها الحاكة لعمل ثياب الشرب فلا تكاد تنجب إلّا بها ، فإن عمل بها ثوب وبقي منه شبر ونقل إلى غير هذه المعامل علم بذلك السمسار المبتاع للثوب فينقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب عليه ، وقال ابن زولاق : يعمل بدمياط القصب البلخي من كل فنّ ، والشرب لا يشارك تنيس في شيء من عملها ، وبينهما مسيرة نصف نهار ، ويبلغ الثوب الأبيض بدمياط وليس فيه ذهب ثلاثمائة دينار ، ولا يعمل بدمياط مصبوغ ولا بتنيس أبيض ، وهما حاضرتا البحر ، وبهما من صيد السمك والطير والحيتان ما ليس في بلد ، وأخبرني بعض وجوه التجار وثقاتهم أنه بيع في سنة ٣٩٨ حلّتان دمياطيتان بثلاثة آلاف دينار ، وهذا مما لم يسمع بمثله في بلد ، وبها الفرش القلموني من كل لون المعلم والمطرّز ومناشف الأبدان والأرجل ، وتتحف لجميع ملوك الأرض ، وفي أيام المتوكل سنة ٢٣٨ وولاية عنبسة بن إسحاق الضبي على مصر تهجّم الروم على دمياط في يوم عرفة فملكوها وما فيها وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين وسبوا النساء والأطفال وأهل الذمة فنفر إليهم عنبسة بن إسحاق عشية يوم النحر في جيشه ومعه نفر كثير من الناس فلم يدركوهم ومضى الروم إلى تنيس فأقاموا بأشتومها فلم يتبعهم عنبسة ، فقال يحيى بن الفضيل للمتوكل :
أترضى بأن يوطأ حريمك عنوة ، |
|
وأن يستباح المسلمون ويحربوا؟ |
حمار أتى دمياط ، والروم رتّب |
|
بتنيس ، منه رأي عين وأقرب |
مقيمون بالأشتوم يبغون مثل ما |
|
أصابوه من دمياط ، والحرب ترتب |
فما رام من دمياط سيرا ، ولا درى |
|
من العجز ما يأتي وما يتجنّب |
فلا تنسنا ، إنا بدار مضيعة |
|
بمصر ، وإن الدين قد كاد يذهب |
فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط ، ولم يزل بعد في أيدي المسلمين إلى أن كان شهر ذي القعدة سنة ٦١٤ فإن الأفرنج قدموا من وراء البحر وأوقعوا بالملك العادل أبي بكر بن أيوب وهو نازل على بيسان فانهزم منهم إلى خسفين ، فعاد الأفرنج إلى عكا فأقاموا بها أياما وخرجوا إلى الطور فحاصروه ، وكان قد عمّر فيه الملك المعظم ابن الملك العادل قلعة