وقد غرس فيه جميع الثمار وأصناف الرياحين ، وفي شرقي مدينة تونس الميناء والبحيرة وباب قرطا جنّة ، ودونه داخل الخندق بساتين كثيرة وسواق تعرف بسواقي المرج ، ويتصل بها جبل أجرد يقال له جبل أبي خفنجة ، في أعلاه آثار بنيان ؛ وباب أرطة غربي تجاوره مقبرة يقال لها مقبرة سوق الأحد ، ودون الباب من داخل الخندق غدير كبير يعرف بغدير الفحامين ، وربض المرضى خارج عن المدينة ، وفي قبليه ملاحة كبيرة منها ملحهم وملح من يجاورهم ، وجامع تونس رفيع البناء مطلّ على البحر ينظر الجالس فيه إلى جميع جواريه ، ويرقى إلى الجامع من جهة الشرق على اثنتي عشرة درجة ، وبها أسواق كثيرة ومتاجر عجيبة وفنادق وحمّامات ، ودور المدينة كلّها رخام بديع ، ولها لوحان قائمان وثالث معرض مكان العتبة ؛ ومن أمثالهم : دور تونس أبوابها رخام وداخلها سخام ؛ وهي دار علم وفقه ، وقد ولي قضاء إفريقية من أهلها جماعة ومع ذلك فهي مخصوصة بالتشغّب والقيام على الأمراء والخلاف للولاة ، خالفت نحو عشرين مرة وامتحن أهلها أيام أبي يزيد الخارجي بالقتل والسبي وذهاب الأموال ؛ قال صاحب الحدثان :
فويل لترشيش وويل لأهلها |
|
من الحبشيّ الأسود المتغاضب! |
وقال بعض الشعراء :
لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ، |
|
ولكنني ألفيتها وهي توحش |
ويصنع بتونس للماء من الخزف كيزان تعرف بالريحيّة ، شديدة البياض في نهاية الرقّة تكاد تشفّ ، ليس يعلم لها نظير في جميع الأقطار ، وتونس من أشرف بلاد إفريقية وأطيبها ثمرة وأنفسها فاكهة ، فمن ذلك اللوز الفريك يفرك بعضه بعضا من رقة قشره ويحت باليد وأكثره حبتان في كل لوزة مع طيب المضغة وعظم الحبة ، والرمان الضعيف الذي لا عجم له البتة مع صدق الحلاوة وكثرة المائية ، والأترج الجليل الطيب الذّكي الرائحة البديع المنظر ، والتين الخارمي أسود كبير رقيق القشر كثير العسل لا يكاد يوجد له بزر ، والسفرجل المتناهي كبرا وطيبا وعطرا ، والعنّاب الرفيع في قدر الجوزة ، والبصل القلوري في قدر الأترج مستطيل سابري القشر صادق الحلاوة كثير الماء ، وبها من أجناس السمك ما لا يوجد في غيرها ، يرى في كلّ شهر جنس من السمك لا يرى في الذي قبله ، يملح فيبقى سنين صحيح الجرم طيب الطعم ، منه جنس يقال له النقونس يضربون به المثل فيقولون : لو لا النقونس لم يخالف أهل تونس.
قال البكاري : بين تونس والقيروان منزل يقال له مجقة ، إذا كان أوان طيب الزيتون بالساحل قصدته الزرازير فباتت فيه وقد حمل كلّ طائر منها زيتونتين في مخلبيه فيلقيهما هناك ، وله غلّة عظيمة تبلغ سبعين ألف درهم ؛ ويقال لبحر تونس رادس ، وكذلك يقال لمرساها مرسى رادس ، وأهلها موصوفون بدناءة النفس ؛ وافتتحها حسان بن نعمان بن عدي بن بكر بن مغيث الأسدي في أيام عبد الملك ، نزل عليها فسأله الروم أن لا يدخل عليهم وأن يضع عليهم خراجا يقسطه عليهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وكانت لهم سفن معدّة فركبوها ونجوا وتركوا المدينة خالية ، فدخلها حسان فحرّق وخرّب وبنى بها مسجدا وأسكنها طائفة من المسلمين ، ورجع حسان إلى القيروان فرجعت الروم إلى المسلمين فاستباحوهم ، فأرسل حسان من أخبر عبد الملك بالقضية ، فأمدّه بجيش كثير قاتل بهم الروم