وحرّ شديد وسموم في تلك الرمال ، فنظر إلى الشمس مضحية راكدة على قمم الرءوس وقد صهرت الناس فقال مشيرا إلى الشمس : أما والله لئن عززت في هذا المكان لطالما رأيتك ذليلة بتاهرت! وأنشد :
ما خلق الرحمن من طرفة ، |
|
أشهى من الشمس بتاهرت |
وذكر صاحب جغرافيا أن تاهرت في الإقليم الرابع ، وأن عرضها ثمان وثلاثون درجة ، وهي مدينة جليلة ، وكانت قديما تسمى عراق المغرب ، ولم تكن في طاعة صاحب إفريقية ولا بلغت عساكر المسوّدة إليها قط ، ولا دخلت في سلطان بني الأغلب ، وإنما كان آخر ما في طاعتهم مدن الزاب ؛ وقال أبو عبيد : مدينة تاهرت مدينة مسورة لها أربعة أبواب : باب الصفا وباب المنازل وباب الأندلس وباب المطاحن ، وهي في سفح جبل يقال له جزّول ، ولها قصبة مشرفة على السوق تسمى المعصومة ، وهي على نهر يأتيها من جهة القبلة يسمى مينة ، وهو في قبلتها ، ونهر آخر يجري من عيون تجتمع يسمى تاتش ، ومنه شرب أهلها وأرضها ، وهو في شرقيها ، وفيها جميع الثمار ، وسفرجلها يفوق سفرجل الآفاق حسنا وطعما ، وهي شديدة البرد كثيرة الغيوم والثلج ؛ قال بكر بن حماد أبو عبد الرحمن ، وكان بتاهرت من حفاظ الحديث وثقات المحدثين المأمونين ، سمع بالمشرق ابن مسدّد وعمرو بن مرزوق وبشر بن حجر ، وبإفريقية ابن سحنون وغيرهم ، وسكن تاهرت وبها توفي ، وهو القائل :
ما أخشن البرد وريعانه ، |
|
وأطرف الشمس بتاهرت |
تبدو من الغيم ، إذا ما بدت ، |
|
كأنها تنشر من تخت |
فنحن في بحر بلا لجّة ، |
|
تجري بنا الريح على سمت |
نفرح بالشمس ، إذا ما بدت ، |
|
كفرحة الذّمّيّ بالسّبت |
قال : ونظر رجل إلى توقد الشمس بالحجاز فقال : احرقي ما شئت ، والله إنك بتاهرت لذليلة ؛ قال : وهذه تاهرت الحديثة ، وهي على خمسة أميال من تاهرت القديمة ، وهي حصن ابن بخاثة ، وهو شرقي الحديثة ، ويقال إنهم لما أرادوا بناء تاهرت القديمة كانوا يبنون بالنهار ، فإذا جن الليل وأصبحوا وجدوا بنيانهم قد تهدم ، فبنوا حينئذ تاهرت السفلى ، وهي الحديثة ، وفي قبلتها لواتة وهوّارة في قرارات وفي غربيها زواغة وبجنوبيها مطماطة وزناتة ومكناسة.
وكان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم بن بهرام ، وبهرام هو مولى عثمان بن عفان ، وهو بهرام بن بهرام جور بن شابور بن باذكان بن شابور ذي الأكتاف ملك الفرس ، وكان ميمون هذا رأس الإباضية وإمامهم ورأس الصّفرية والواصلية ، وكان يسلّم عليه بالخلافة ، وكان مجمع الواصلية قريبا من تاهرت ، وكان عددهم نحو ثلاثين ألفا في بيوت كبيوت الأعراب يحملونها. وتعاقب مملكة تاهرت بنو ميمون وإخوته ، ثم بعث إليهم أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أخاه الأغلب ، ثم قتل من الرّستمية عددا كثيرا وبعث برءوسهم إلى أبي العباس أخيه ، وطيف بها في القيروان ، ونصبت على باب رقادة ؛ وملك بنو رستم تاهرت مائة وثلاثين سنة. وذكر محمد بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم ، وكان خليفة لأبي الخطاب عبد