(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي أن صومكم أيها المرضى والمسافرون والذين يطيقونه خير لكم من الفدية ، لما فيه من مجاهدة النفس وقوة الإيمان ومراقبة الله. وذهب أحمد والأوزاعي وجماعة إلى أن الفطر أفضل ، لقول الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
واتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر ، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية ، بخلاف المقيم ، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض ، والمقيم لا يفتقر إلى عمل ، لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين.
ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج.
واتفقوا على أن المسافر سفر الطاعة كالحج والجهاد وصلة الرحم وطلب المعاش الضروري وسفر التجارات والمباحات : له الإفطار. وأما سفر العاصي فيجوز له الإفطار عند الحنفية ، لأن السفر نفسه ليس بمعصية ، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره ، فلا يؤثر على رخصة القصر ، ولأنه قد يتوب إذا تذكر نعمة الله عليه بالسماح له بالفطر والقصر وغيرهما.
وقال الجمهور غير الحنفية : لا تباح الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر ونحوها ، لما في الرخصة من الإعانة على المحرم ، والشرع نهى عن ذلك.
٤ ـ دل قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) على أن المريض أو المسافر واجبه الأصلي الصوم ، ويرخص له في الفطر ، فإذا أفطر فليقض أياما مكان الأيام التي أفطر فيها ، وهذا رأي الجمهور ، لأن معنى الآية : من كان منكم مريضا أو مسافرا ، فأفطر ، فعليه صيام أيام أخر ، بعد ما أفطر. وإذا صام أهل البلد تسعة وعشرين ، وفي البلد رجل مريض لم يصح ، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.