٢ ـ وأن يكون من الأمور التي له فيها صلاحية الإنشاء.
وقد قضى علي كرّم الله وجهه بما يؤيد هذا الرأي ، حيث جاءه رجل ادعى زواجا على امرأة وهي تنكر ، وجاء بشاهدين ، فقالت : إني لم أتزوجه ، فقال لها : زوجك الشاهدان. وكذلك قصة لعان هلال بن أمية مع امرأته ، وقضى النّبي صلىاللهعليهوسلم بالفرقة بينهما ، وكان ذلك بعد أن قال : «إن جاء الولد على صفة كذا فهو لهلال. وإن جاءت به على صفة كذا ، فهو لشريك بن سحماء» فجاءت به على الصفة المكروهة ، فقال النّبيصلىاللهعليهوسلم : «لو لا ما مضى من الأيمان ، لكان لي ولها شأن» فقصة اللعان تدل على أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب ، الذي لو علم الحاكم كذبها فيه ، لحدّها وما فرّق بينهما ، فلم يدخل هذا في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : «فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فلا يأخذه».
وقال جمهور العلماء : ينفذ حكم القاضي ظاهرا لا باطنا ، في المال وغيره من أحكام الزواج والطلاق والجنايات ، فلا يحل الحرام ، ولا يحرم الحلال ، ولا ينشئ الحقوق ، وإنما يظهرها ، ويكشف عنها في الوقائع ، بدليل حديث أم سلمة المتقدم ، الذي أخذت منه القاعدة التالية : «نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر». وهذا هو الحق بنحو عام ، إلا ما خص منه بنص كاللعان.
وعلى أي حال ، لا يجوز لمؤمن أن يلجأ إلى المحاكم ، معتمدا على مهارة وكلاء الدعاوي (المحامين) ، وهو يعلم أنه مبطل في ادعائه.
ولا يحل لمؤمن أن يأخذ مال أخيه أو غير حقه ، وإن قضى له به القاضي ، لأن القاضي بشر معذور يقضي بالظاهر ، وحكمه لا يغير الواقع ، وإنما الذي يجب أن ينظر إليه هو الحساب الحق العدل أمام الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية ،