وقال المفسرون : كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام ، إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة ، لم يدخل حائطا (بستانا) ولا بيتا ولا دارا من بابه ، فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته ، منه يدخل ومنه يخرج ، أو يتخذ سلما فيصعد فيه ، وإن كان من أهل الوبر ، خرج من خلف الخيمة والفسطاط ، ولا يدخل من الباب ، حتى يحلّ من إحرامه ، ويرون ذلك ذمّا ، إلا أن يكون من الحمس (١) : وهم قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وثقيف ، وخثعم ، وبنو عامر بن صعصعة ، وبنو النضير بن معاوية ، سمّوا حمسا لشدتهم في دينهم. قالوا : فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ، فدخل رجل من الأنصار وهو قطبة بن عامر الأنصاري على إثره من الباب وهو محرم ، فأنكروا عليه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم دخلت من الباب وأنت محرم؟» فقال : رأيتك دخلت من الباب ، فدخلت على إثرك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني أحمسيّ» ، قال الرجل : إن كنت أحمسيّا فإني أحمسيّ ، ديننا واحد ، رضيت بهديك وسمتك ودينك ، فأنزل الله هذه الآية. رواه ابن أبي حاتم والحاكم عن جابر ، وهذا القول هو أصح الأقوال.
المناسبة :
هذه الآية تكملة لأحكام الصيام ، لأن الصوم والإفطار مقرونان برؤية الهلال ، كما جاء في الحديث الثابت : «صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته» (٢).
ولم يذكر في الآية تحديد المسؤول عنه في الأهلة ، أهي حقائقها أم أحوالها؟ لكن الجواب ووروده بقوله تعالى : (قُلْ : هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) مشعر بأن السؤال عن الحكمة في تغيرها ، وأيده الخبر في سبب النزول.
__________________
(١) الحمس : جمع أحمس ، من الحماسة : وهي الشدة ، والصلابة ، لتشددهم في دينهم.
(٢) البحر المحيط : ٢ / ٦١