التفسير والبيان :
يسألونك يا محمد عن سبب اختلاف حجم الأهلة نقصا وإتماما ، وهذا لا فائدة بالسؤال عنه ، لأن النّبي صلىاللهعليهوسلم لم يبعث معلما لعلوم الفلك وأحوال النجوم ، وإنما الأولى أن يوجه السؤال عن الحكمة أو الغاية من الأهلة ، فأجبهم عن ذلك ، بأن الأهلة معالم للتوقيت والحساب في شؤون الزراعة والتجارة وآجال العقود والديون ، ومعالم أيضا لتوقيت العبادات من صوم وإفطار وصلاة وحج وعدة وغير ذلك.
والتوقيت بالشهر القمري والسنة القمرية سهل في الحساب ومناسب للعرب.
والمواقيت جمع ميقات بمعنى الوقت ، كالميعاد بمعنى الوعد ، وقال بعضهم : الميقات : منتهى الوقت ، كما في قوله تعالى : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف ٧ / ١٤٢] ، والهلال ميقات الشهر ، ومواضع الإحرام : مواقيت ، لأنها التي ينتهي عندها الحل.
ولما ذكر مواقيت الحج ذكر ما كان من أفعالهم فيه ، لإبطال عادة الجاهلية : وهي الامتناع بعد الإحرام بالحج أو بالعمرة من دخول البيوت من أبوابها ، وإنما كانوا يدخلونها من ظهورها إذا كانوا من أهل الوبر ، أو من نقب في ظهر البيت إذا كانوا من أهل المدر ، زاعمين أنه من البرّ ، فقيل لهم : ليس البرّ هذا ، وليس بقربة إلى الله تعالى ، وذلك خطأ ، وإنما البرّ الحقيقي هو تقوى الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، والتّحلي بالفضائل ، والتّخلي عن المعاصي والرذائل ، والخوف من الله ومن عقابه.
فأتوا البيوت من أبوابها ، واتقوا الله في كل شيء ، رجاء أن تكونوا من المفلحين في أعمالكم ، فالمتقي في رشاد ، والعاصي في ضلال ، كما قال الله تعالى :