(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق ٦٥ / ٤] ، (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ ، فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس ١٠ / ٣٢].
ويلاحظ أن أبا بكر الجصاص الرازي قال : وفي هذه الآية دلالة على جواز الإحرام بالحج في سائر السنة ، لعموم اللفظ في سائر الأهلّة ، أنها مواقيت للحجّ ، ومعلوم أنه لم يرد به أفعال الحج ، فوجب أن يكون المراد الإحرام (١). وهو استدلال غير ظاهر ، لأن الآية في بيان الحكمة في تغيير الأهلّة بالزيادة والنّقص : وهي أن يوقّت الناس بها في معاملاتهم ، وعباداتهم ، وحجّهم ، وليس الكلام في بيان ما يكون في الشهر من العبادات وغيرها. وجاءت السنّة القولية مبينة وقت الإحرام بالحج والعمرة ، ودلّ قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) على أن وقت الحج شهران وبعض الثالث.
فقه الحياة أو الأحكام :
الإسلام دين الموضوعية والحياة والواقع النافع ، فهو ينبذ الشكليات والمظاهر والأوضاع التي لا نفع فيها ، ويوجه الناس إلى الاعتناء بما ينفعهم ويعود عليهم بالخير والمصلحة. لذا أبان الله تعالى في آية سابقة بمناسبة تحويل القبلة أن البرّ ليس هو بالاتجاه نحو المشارق والمغارب ، وإنما البرّ هو الإحسان والتقوى والعمل الصالح.
ونبّه في هذه الآية إلى الحكمة من زيادة القمر ونقصانه ، وهي الاستفادة من الهلال في ضبط الحساب وتوقيت الزمان ومعرفة الآجال والمعاملات والأيمان ، والحج ، وأنواع عدة المرأة (العدد) ، والصوم والفطر ، ومدّة الحمل ، والإجارات والأكرية ، إلى غير ذلك من مصالح العباد. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ،
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ٢٥٤