لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [الإسراء ١٧ / ١٢] ، وقوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ، وَالْقَمَرَ نُوراً ، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس ١٠ / ٥] ، وإحصاء الأهلّة شهريا أيسر من إحصاء الأيام. وسمّي الشهر شهرا ، لأن الأيدي تشهر بالإشارة إلى موضع الرؤية ، ويدلون عليه. ويؤيد الآيات أحاديث ، منها ما رواه عبد الرزاق والحاكم عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جعل الله الأهلّة مواقيت للناس ، فصوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم ، فعدوا ثلاثين يوما».
والعلم بالآجال أو المدد أمر مشروط في كل العقود كالإجارة والبيع بثمن إلى أجل معلوم ، والسّلم والمساقاة والمزارعة ونحوها. وبهذا يرد على الظاهرية الذين قالوا : تجوز المساقاة إلى الأجل المجهول سنين غير معلومة ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عامل اليهود على شطر الزرع والنخل ما بدا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير توقيت. ويجاب عنه : بأن هذا لا دليل فيه ، لأنه عليه الصلاة والسلام قال لليهود : «أقركم فيها ما أقركم الله» ، وهذه خصوصية له ، لا يقاس عليه غيره ، فكان ينتظر في ذلك القضاء من ربه.
وأجاز الجمهور البيع إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء ونحوه ، لأن الأجل معروف ، وتأخره يسيرا متسامح فيه ، ولم يجز الشافعي ذلك للجهل بالأجل.
وقد أفرد الله الحج بالذكر ، لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ، وأنه لا يجوز فيه التأجيل أو النسيء عن وقته ، بخلاف ما كان عليه العرب ، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدّل الشهور ، فأبطل الله قولهم وفعلهم.
واستدل مالك وأبو حنيفة رحمهماالله بهذه الآية على أن الإحرام بالحج يصح في غير أشهر الحج ، لأن الله تعالى جعل الأهلة كلها ظرفا لذلك ، فصحّ أن يحرم