اليهود عند نزول الأمر باستقبال الكعبة ، معجزة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء ، وتستعدّ له ، فيكون أقل تأثيرا عند المفاجأة ، ولإعداد الجواب المسبق ، وهو قوله تعالى : (قُلْ : لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)(١).
سبب نزول الآية : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) :
نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب : عبد الله بن سلام وأصحابه ، كانوا يعرفون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم ، كما يعرف أحدهم ولده ، إذا رآه مع الغلمان ، قال عبد الله بن سلام : لأنا أشدّ معرفة برسول الله صلىاللهعليهوسلم مني بابني ، فقال له عمر بن الخطاب : وكيف ذاك يا ابن سلام؟ قال : لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقّا يقينا ، وأنا لا أشهد بذلك على ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء ، فقال عمر : وفقك الله يا ابن سلام.
المناسبة أو وجه الربط بين الآيات :
كان النّبي صلىاللهعليهوسلم يتشوّق لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم ، ولأنها أدعى إلى إيمان العرب ، وهم الذين عليهم المعول في إظهار هذا الدين ، ولأن اليهود كانوا يقولون : يخالفنا في ديننا ويتبع قبلتنا ، ولو لا ديننا لم يدر أين يستقبل القبلة؟ فكره النّبي صلىاللهعليهوسلم قبلتهم ، حتى روي أنه قال لجبريل : وددت لو أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها.
قال أبو حيان : ولما كان صلىاللهعليهوسلم هو المتشوّف لأمر التحويل بدأ بأمره أولا ، ثم أتبع أمر أمته ثانيا ، لأنهم تبع له في ذلك ، ولئلا يتوهم أن ذلك مما اختص به صلىاللهعليهوسلم (٢).
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٢٤٢
(٢) البحر المحيط : ١ / ٤٣٠