ولما ذكر الله تعالى ما قاله سفهاء اليهود عند تحويل القبلة ، ذكر في هذه الآيات أن إعراض أهل الكتاب عن رسالة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، لم يكن لشبهة تحتاج إلى إزالة ، وإنما لعناد ومكابرة ، وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم من جحود أهل الكتاب الذين طمع في إسلامهم ، وتضايق من تكذيبهم.
التفسير والبيان :
كثيرا ما نرى تردد نظرك في جهة السماء ، حينا بعد حين ، متشوقا للوحي ، متلهفا لتحويل القبلة إلى الكعبة ، والظاهر أن النّبي صلىاللهعليهوسلم لم يسأل ذلك ، بل كان ينتظره فقط ، وهو في هذا لا يعدّ معارضا أمر ربه ، لأن صفاء نفسه يجعله يتطلع إلى ما يظنه خيرا ، ويقدر فيه مصلحة.
ولكونك تتطلع إلى التحويل ، لنمكننك من استقبال قبلة تحبها غير بيت المقدس ، لهدف سليم في نفسك هو أن يجتمع الناس على قبلة مخصوصة واحدة ، فتتحد قلوبهم ، ويتحقق من وراء ذلك خير عظيم. فاصرف وجهك نحو أو تلقاء المسجد الحرام الذي هو محيط بالكعبة.
وفي ذكر (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) دون الكعبة ، مع أنها القبلة على ما ثبت في الأحاديث ، إشارة إلى أنه يكفي للبعيد الذي لا يعاين الكعبة محاذاة جهة القبلة حين الصلاة. ويؤكده الأمر الإلهي لعموم المؤمنين ، وهو قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي وفي أي مكان كنتم ، فاستقبلوا جهته بوجوهكم في الصلاة ، وهذا تصريح بعموم الحكم المستفاد من (فَوَلِّ وَجْهَكَ) ويدل على أن المصلي في مختلف البقاع يتجه نحو القبلة ، سواء أكان إلى الشرق أم إلى الغرب ، وإلى الشمال أم إلى الجنوب الجغرافي ، لا كالنصارى الذين يلتزمون جهة المشرق ، ولا كاليهود الذين يلتزمون جهة المغرب.
والسبب في تأكيد الأمر باستقبال المؤمنين القبلة بعد أمر النّبي بها ، مع أن