خطاب النّبي صلىاللهعليهوسلم خطاب لأمته : هو الاهتمام بشأن قبلة الكعبة ، فإنها حادث عظيم ، كان نقطة تحول في وضع أساس الاستقلال في عبادة المسلمين ، وإنهاء الاتجاه نحو قبلة بيت المقدس ، ولكي تشتد عزيمة المؤمنين وتطمئن قلوبهم ، فيقضون على الفتنة التي أثارها المنافقون وأهل الكتاب (اليهود والنصارى) ويضربون بأقوالهم عرض الحائط ، ويثبتون على اتباع الرسول ، ولدفع توهّم أن القبلة باتجاه الشام. لكل هذا كان التصريح بعموم الحكم في عموم الأمكنة : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
ثم عاد القرآن لمناقشة أهل الكتاب الذين اشتركوا في تحريك الفتنة العظمى بعد تحويل القبلة ، فقال : إن أهل الكتاب الذين أوتوا التوراة والإنجيل ليعلمون علما أكيدا ـ بما أنزل إليهم في كتبهم في شأن النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم والبشارة به ، وأنه سيصلي إلى القبلتين : بيت المقدس وقبلة أبيه إبراهيم الذي أمر أن يتبع ملته ـ أن تحويل القبلة حق لا شك فيه ، وأنه أمر الله ، ولكنهم دأبوا على إنكار الحق ، وترويج الباطل ، وما الله بغافل عن أعمالهم ، بل مجازيهم عليها.
وجيء بجملة : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) اعتراضا بين الكلامين : المتقدم عنها والمتأخر لوعد الفريقين ووعيدهم.
ثم أوضح القرآن سبب الفتنة وإعراض الكتابيين عن دعوة الإسلام ، تسلية للرسول عن متابعة أهل الكتاب له ، فقد أخبره أولا أنهم يعلمون أنه الحق وهم يكتمونه ولا يعملون بمقتضاه ، ثم سلاه عن قبولهم الحق باتخاذ موقف معين : وهو التزام موقف المعارضة عنادا ومعاداة ، فقال : ولئن جئت اليهود والنصارى بكل برهان وحجة على أن الحق وهو تحويل القبلة من ربهم ، أملا في اتباع قبلتك ، ما اقتنعوا ولا صدقوا به ، ولا اتبعوك ، عنادا منهم ومكابرة ، فهم لن يتبعوا قبلتك رغم البرهان الساطع على الحق الإلهي المأمور به ، وهو توجهك إلى