الكعبة (١) ، ولن يكون منك اتباع قبلتهم بعد اليوم ، قطعا لأطماعهم في الاتجاه إلى بيت المقدس ، وكيف يرجى ذلك ، فهم ليست لهم قبلة واحدة ، فعيسى كانت قبلته مع موسى ، ولكن بعد موت عيسى وتحريف الإنجيل اتخذ النصارى قبلة أخرى. وأما أنت يا محمد فعلى قبلة إبراهيم الذي يقدره جميع أهل الملل ، فهي الأجدر بالاتباع ، ولا فائدة ترجى من اتباع قبلتهم.
وكل من اليهود والنصارى لا يغيّر الاتجاه إلى قبلته ، فلا تترك اليهود قبلتها وتتجه نحو المشرق ، ولا تترك النصارى قبلتها وتتجه نحو الغرب ، لأن كلّا منهم متمسك برأيه ، حقا كان أو باطلا ، ولا ينظر إلى حجة وبرهان ، وإنما يسير على منهج التقليد الأعمى.
ثم هدد الله نبيه ، لتعرف أمته خطر مخالفة كلام الله ، واتباع أهواء الناس ، فقال : ولئن اتبعت يا محمد ما يريده أهل الكتاب ، فصليت إلى قبلتهم مداراة لهم ، وحرصا على اتباعك والإيمان بك ، بعد ما جاءك الحق اليقين واضحا ، والعلم القاطع الذي لا شك فيه وهو الدلائل والآيات التي تفيدك العلم وتحصله ، لتكونن من الظالمين أنفسهم ، المستحقين العقاب في الدنيا والآخرة ، وهذا في الحقيقة خطاب للمؤمنين لاستبعاد خاطر أو فكرة اتباع أهواء القوم استمالة لهم.
وجملة (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) هي جواب القسم المحذوف ، الذي أو أومأت إلى تقديره اللام في (لَئِنْ) ودلّ على جواب الشرط.
ودليل معرفة الحق من قبل أهل الكتاب : أنهم يعرفون النّبي صلىاللهعليهوسلم بما بشرت به كتبهم ، وذكرته من صفات لا تنطبق على غيره ، فهم يعرفون النّبي كمعرفتهم التامة بأبنائهم. وإن فريقا منهم عاندوا وكتموا هذا الحق الواضح الذي يعلمونه من كتبهم ، وهو نبوة محمد ، وأن الكعبة قبلة.
__________________
(١) البحر المحيط : ١ / ٤٣٠