ثم قال : ولقول من يقول : إنها شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة وجه آخر ، وهو ينتظم القولين جميعا ، وهو أن الآية سيقت لبيان أن هذه هي الأشهر التي يكون فيها الحج ، بدون تبديل ولا تغيير ، على نحو ما كان يفعله أهل الجاهلية من التغيير والتبديل ، فكانوا ينسئون الشهور ، فيجعلون صفرا المحرم ، ويستحلون المحرم ، على حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون فيها القتال ، وكانوا يغيرون في أشهر الحج ، فمعنى قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : أن عمال الحج تقع في هذه الأشهر ، على مقتضى بيان السنة ، دون ما كان يفعله أهل الجاهلية من تبديل الشهور ، وتأخير الحج وتقديمه.
وهل يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج؟
اختلف السلف وأئمة المذاهب في ذلك ، فقال الجمهور غير الشافعية (١) : يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، وينعقد حجا ، ولا ينقلب عمرة ، ولكنه مكروه ، لما أخرجه البخاري عن ابن عباس : «من السنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج» وتكون فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر لبيان أن أفعال الحج لا تصح إلا فيها ، وأما صحة الإحرام في غيرها ، فلأنه شرط للحج ، فيجوز تقديمه على أدائه ، كتقديم الطهارة على أداء الصلاة.
وقال الشافعي : لا يجوز لأحد أن يهلّ بالحج قبل أشهر الحج ، وينعقد إحرامه بالعمرة ، وظاهر الآية يشهد له ، لأنها قد جعلت وقت الحج هذه الأشهر المعلومات ، والإحرام بالعبادة قبل وقتها لا يجوز ، كما لا تجوز نية الظهر قبل الظهر.
ونية الإحرام بالحج : تجب فرضا ، لقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَ) ومن تمام العبادة : حضور النية ، وهي فرض عند الإحرام ، لقوله عليه الصلاة والسلام لما
__________________
(١) المبدع في شرح المقنع ، لابن مفلح المؤرخ الحنبلي : ٣ / ١١٣