والإنسان قد يكون شديد الحاجة ، وكانت التجارة مظنة الحظر ، فدفعا لذلك التوهم أباح الله تعالى الاتّجار في أثناء الحج ، لأن ذلك سعي من أجل الرزق ، والرزق أو الكسب فضل من الله غير محظور ، لأنه لا ينافي الإخلاص في هذه العبادة ، فلا مانع من انضمام قصد الاتّجار إلى الحج ، وإنما الممنوع هو قصد التجارة فحسب. وقد تحرج المسلمون من التجارة في بادئ الأمر ، خشية التأثير على العبادة ، كما بيّنا في سبب النزول ، فكانوا يقفلون حوانيتهم ، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا إثم فيه مع إخلاص العبادة.
التفسير والبيان :
لا إثم عليكم في طلب الرزق الحلال أثناء الحج من طريق البيع والشراء والكراء إذا لم يكن هو المقصود الأساسي بالذات ، وإنما يجوز أن يكون تبعا للعبادة ، إذ هو مع حسن المقصد عبادة أيضا ، ولكن التفرغ لأداء المناسك أفضل وأكمل ، لقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة ٩٨ / ٥].
ويشترط أيضا لإباحة التجارة في الحج : ألا يترتب عليها نقصان في الطاعة ، ولا تشغله عن أعمال الحج ، لذا أمر الله تعالى بذكره بعد الوقوف بعرفات الذي هو أهم أركان الحج للحديث النّبوي : «الحج عرفة» (١) ، وبعد الإفاضة من عرفات : أي الاندفاع في السير بكثرة ، فعلى الحاج إذا دفع إلى المزدلفة وبات فيها أن يذكر الله عند المشعر الحرام بالتلبية والتهليل والدعاء والحمد والثناء ، وإنما طلب منه الذكر خشية أن يتركه في هذا الموضع المبارك. والمشعر الحرام : هو الجبل الذي يقف عليه الإمام ، فقد روي : «عن النّبيصلىاللهعليهوسلم لما صلّى الفجر بالمزدلفة ، ركب ناقته ، حتى أتى المشعر الحرام ، فدعا وكبّر ، وهلل ، ولم
__________________
(١) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقي عن عبد الرحمن بن يعمر.