نزول الآية (٢٠٠):
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم ، يقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ، ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ، ليس لهم ذكر غير أفعال آبائهم ، فأنزل الله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ، فَاذْكُرُوا اللهَ) الآية. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم ، وقفوا عند الجمرة ، وذكروا آباءهم في الجاهلية ، وفعال آبائهم ، فنزلت هذه الآية ، حتى إن الواحد منهم ليقول : اللهم إن أبي كان عظيم القبّة ، عظيم الجفنة (١) ، كثير المال ، فأعطني مثل ما أعطيته ، فلا يذكر غير أبيه ، فنزلت الآية ، ليلزموا أنفسهم ذكر الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية.
نزول آخر الآية (٢٠٠) والآيتين (٢٠٠ ـ ٢٠١):
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف ، فيقولون : اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاء وحسن ، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل الله فيهم : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا ، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ويجيء آخرون من المؤمنين ، فيقولون : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ...) إلى قوله : (سَرِيعُ الْحِسابِ).
المناسبة :
بعد أن حضّ الله تعالى على التقوى والتزوّد ليوم الحساب ومخافة الله ، وبعد أن منع الله تعالى الجدال في الحج ، وكانت المعاملات التجارية تفضي عادة إلى الجدال والمخاصمة ، جاءت آية : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ..) للاستدراك مما قد يفهم أن التجارة مظنة المنع ، أي ممنوعة في الحج ، وأيضا لما حظر الله لبس المخيط.
__________________
(١) الجفنة : أعظم ما يكون من القصاع.