وأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الجماعة عن أم سلمة : «فأقضي له على نحو ما أسمع» فكان هذا في صدر الإسلام حيث يكتفي بالظاهر لسلامة أحوال الناس ، أما بعد أن عمّ الفساد ، فلا بدّ من التزكية والتعرّف على البواطن (١).
والصحيح كما قال القرطبي : أن الظاهر يعمل به حتى يتبيّن خلافه ، لقول عمر بن الخطاب رضياللهعنه في صحيح البخاري : «أيها الناس ، إن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمّناه وقرّبناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة» (٢).
وأرشدت الآية إلى أن فريق المنافقين شأنه الإفساد والتدمير والتخريب من الباطن ، وهو لا يتّقي الله ، ولا يخشاه ، فحقّ له العذاب في جهنم ، فهي مأواه ومصيره ، وبئس المصير.
كما أرشدت الآية إلى أن المخلص في عمله لله ، والذي جاهد في سبيل الله ، يستحق رضوان الله ورحمته ، ويظفر بجنان الخلد ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ..) إلى قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة ٩ / ١١١].
والفريق الأول يوجد في كل أمة ، فقد يخدع الشخص فردا واحدا أو أفرادا معدودين ، وقد يخدع الأمة بأجمعها ، فيوقعها في مهاوي الشرّ والعذاب. وقد يعتمد هذا الصنف على الأيمان الكاذبة ، فيحلف بالله أن ما في قلبه موافق لما يقول
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ١٤٣
(٢) تفسير القرطبي : ٣ / ١٦