ويدّعي ، وفي معنى الحلف : أن يقول الإنسان : الله يعلم أو يشهد بأنني أحب كذا ، وأريد كذا ، قال العلماء : إن هذا آكد من اليمين ، ورأى بعض الفقهاء : أن من قاله كاذبا يكون مرتدا ، لأنه نسب الجهل إلى الله تعالى ، وعلى كل حال : إن أقل ما يدل عليه هذا هو عدم المبالاة بالدين ، ولو لم يقصد صاحبه نسبة الجهل إلى الله عزوجل ، فهو قول لا يصدر إلا عن المنافقين الذين (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ..) [البقرة ٢ / ٩](١).
ودلّ التعبير القرآني الموجز : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) على حقيقة ثابتة وهي أن وجود فئة المخلصين بين الناس رحمة عامة للعباد ، لا خاصة بهم ، فكثيرا ما ينتفع الناس بعمل المصلحين من دونهم ، إذ تظهر ثمرات إصلاحهم من بعدهم ، وعلى من يبذل نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى في نفع عباده ألا يتهور ويلقي بنفسه في التهلكة ، بل عليه أن يكون حكيما يقدّر الأمور بقدرها ، إذ ليس المقصود بهذا الشراء : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ..) [التوبة ٩ / ١١١] إهانة النفس ولا إذلالها ، وإنما المراد دفع الشرّ ، وفعل الخير العام ، رأفة بالعباد ، وإيثارا للمصلحة العامة (٢).
وكون آية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ..) نزلت في الأخنس ، فلا يخصصها ، وإنما هي عامة في كل من يتصف بصفته ، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، قال سعيد المقبري : إن في بعض الكتب : إن عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر (٣) ، لبسوا للناس مسوك (٤) الضأن من اللين ، يشترون الدنيا بالدين ، قال الله تعالى : عليّ تجترئون
__________________
(١) تفسير المنار : ٢ / ١٩٦
(٢) المرجع السابق : ٢ / ٢٠٤
(٣) جاء في الترمذي حديث : «إن في بعض كتب الله أن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر ..» الحديث.
(٤) المسوك : الجلود ، جمع مسك.