وحكمة إنزال العذاب في الغمام الذي هو مظنة الرحمة والأمل في الخير ، هو إنزاله فجأة من غير سابق إنذار ، كما في آية أخرى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان ٢٥ / ٢٥].
وهذا يومئ للمؤمن بأن يبادر إلى التوبة وإصلاح الحال ، حتى لا يفاجئه العذاب ، ويأتيه بغتة وهو لا يشعر ، فإذا لم تفاجئه القيامة ، فاجأه الموت ، أو المرض الذي يعجزه عن العمل الصالح ، كما جاء في آية أخرى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ ، وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ، ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً ، وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الزمر ٣٩ / ٥٤ ـ ٥٥].
ثم فتح الله سبيل الحوار والمناقشة مع بني إسرائيل عن الآيات العديدة التي حدثت على يد رسلهم ، كي يكون ذلك باعثا لهم على الإيمان برسالة النّبي صلىاللهعليهوسلم التي قامت على مثل تلك الآيات أو المعجزات. فقال :
سل يا محمد بني إسرائيل سؤال تقريع وتبكيت وتوبيخ لهم عن الآيات الكثيرة التي جاءت على أيدي رسلهم الكرام ، مثل موسى وعيسى عليهماالسلام ، فهي تدل دلالة قاطعة على صدقهم ، ومثلها المعجزات الدالة على صدقك ، فهي متنوعة وكثيرة تؤدي إلى الاقتناع والتصديق بالنبوات. فهل لهم أن يتعظوا ويتدبروا ، ويقلعوا عن جحودهم بالحق وطغيانهم؟ وإلا حلّ بهم من النكال مثل ما حلّ بأسلافهم.
ثم هدد كل من يغيّر سنن الله ، فقال : ومن يغير نعمة الله وهي الأدلة والبراهين الدالة على الحق والخير والهداية ، من بعد ما وصلت إليه وعرفها ، ويجعلها من أسباب ضلاله وكفره وعصيانه ، فله العذاب الشديد ، والعقاب الصارم ، والجزاء المحتم ، لأنه من سنن الله العامة القائمة على العدل والإنصاف ،