تمييزا بين المحسن والمسيء ، والله شديد العقاب لمن خالف وأساء ، رؤف رحيم بمن أطاع وأحسن.
ولكن طبيعة الكافرين الجاحدين قائمة على حب الدنيا حبا شديدا ، وتحسينها في أعينهم ، وتمكّن محبتها في قلوبهم ، حتى تهالكوا عليها ، وفتنوا بمباهجها وزخارفها ، وآثروها على كل شيء ، حتى ما عند الله من نعيم مقيم ، لأنهم لم يؤمنوا إيمانا صادقا بالآخرة ، ثم يتبعون التأويلات والأوهام والآمال الكاذبة التي علقت في خواطرهم.
وتراهم يسخرون من المؤمنين ، ويستهزئون بالفقراء منهم ، كابن مسعود وعمار وصهيب ، ويعجبون : كيف ترك هؤلاء لذات الدنيا وعذبوا أنفسهم بالعبادات؟ كما يعجبون من الأغنياء ، كيف لا يتقلبون في النعيم ، ويستعدون لما بعد الموت ، بتصحيح الاعتقاد ، وإصلاح الأعمال ، والتخلق بفضائل الأخلاق؟ ويتلخص موقفهم أو نظرتهم بأنه موقف مادي ، لا أثر فيه للروحانية.
ثم ردّ الله على هؤلاء الساخرين الذين يظنون أنهم في لذاتهم ودنياهم خير من أهل اليقين والإيمان ، ومفاد الرد :
إذا استعلى بعض الكافرين على بعض المؤمنين فترة من الدهر ، بالمال أو المنصب والجاه ، أو العزة والسلطان وكثرة الأنصار والأتباع ، فإن المتقين سيكونون أعلى رتبة منهم في الآخرة ، وأعلى مقاما عند ربهم ، فهم في أعلى عليين ، والكفار في أسفل سافلين ، كما قال الله تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) [مريم ١٩ / ٦٣].
وقد تساءل الزمخشري عن السبب في قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا)؟ ثم أجاب : ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن