التقي ، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك (١).
هذا هو الجزاء المفضل الخالد في الآخرة ، أما الدنيا فليس الارتفاع فيها خالدا ، وإنما هو موقوت ، بل هو في الحقيقة شيء حقير ، يغتر بها سذاج الناس ، أو السطحيون العاديون ، فلو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها جرعة ماء.
والله سبحانه يرزق من فضله من يشاء ، ولو كان كافرا فاسقا ، ويقدر الرزق أو يقلله على من يشاء ، ولو كان مؤمنا طائعا ، ويعطي الرزق عطاء كثيرا جزيلا ، بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة ، كما جاء في الحديث : «ابن آدم ، أنفق أنفق عليك» (٢) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنفق بلالا ، ولا تخش من الله ذي العرش إقلالا» (٣) وقال الله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ ٣٤ / ٣٩] فيكون لكلمة الحساب في الآية (٢١٢) وجهان : التقدير أي من غير تقدير له ، أو كناية عن السعة وعدم التقتير والتضييق ، كما يقال : فلان ينفق بغير حساب ، أي ينفق كثيرا.
وتكرر معنى هذه الآية في القرآن الكريم ، مثل قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء ١٧ / ١٨ ـ ٢١]. ويلاحظ أنه لم يسترط السعي لرزق الدنيا ، لأنه قد يأتي بلا سعي كإرث وهبة ووصية وكنز أو ارتفاع أثمان ما يملك من عقار
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٢٦٩
(٢) حديث قدسي متفق عليه عن أبي هريرة بلفظ «أنفق أنفق عليك».
(٣) رواه الطبراني في الكبير والقضاعي في مسنده عن ابن مسعود ، وكذا البزاز.