وقال أبو مسلم الأصفهاني والقاضي أبو بكر الباقلاني : المعنى : كان الناس على سنة الفطرة ، تأخذ بما يرشد إليه العقل في الاعتقاد والعمل ، ولكن استسلام الناس إلى عقولهم بلا هدي إلهي ، مما يدعو إلى الاختلاف ، فكثيرا ما حالت الأوهام دون الوصول إلى المراد من العقائد والأحكام.
واختار صاحب تفسير المنار معنى آخر : وهو أن الإنسان اجتماعي بالخلقة ، أي أن الله خلق الإنسان أمة واحدة ، أي مرتبطا بعضه ببعض في المعاش ، لا يسهل على أفراده أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلى الأجل الذي قدره الله إلا مجتمعين ، يعاون بعضهم بعضا ، ولا يمكن أن يستغني بعضهم عن بعض ، فلا بدّ من انضمام قوى الآخرين إلى قوته ، وهذا ما يعبر عنه بقولهم : «الإنسان مدني بالطبع» (١). ويكون المعنى أن الناس خلقوا ولهم صفة الجماعية والتجمع ، وذلك يؤدي إلى التنافس والتنازع والاختلاف ، فكان إرسال الرسل لفض النزاع بين البشر ، والإرشاد إلى الحق والخير ، وبيان الباطل والضلال.
وكان عدد النبيين مائة وأربعة وعشرين ألفا (١٢٤٠٠٠) والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر (٣١٣) ، والمذكورون في القرآن بالاسم ثمانية عشر ، وأول الرسل آدم ، على ما جاء في حديث أبي ذرّ (٢) ، وقيل : نوح ، لحديث الشفاعة الذي قال له الناس فيه : أنت أول الرسل ، وقيل : إدريس.
ثم أبان الله تعالى أنه أنزل مع النبيين الكتاب : وهو اسم جنس بمعنى الكتب ، وقال الطبري: الألف واللام في الكتاب للعهد ، والمراد التوراة.
ومهمة الكتاب أن يكون مصدرا للتشريع والحكم والفصل بين الناس في الخلافات ، وهداية الناس إلى العقيدة الحقة ، والآداب الفاضلة ، والأعمال
__________________
(١) تفسير المنار : ٢ / ٢٢٥
(٢) أخرجه الآجري وأبو حاتم البستي.