وبعد إيراد هذه الصورة القبيحة لفعل العلماء بكتاب الله ، حثّ الله رسوله والمؤمنين على الثبات والصبر وتحمل المشاق في أثناء مواجهة الكفار ، فإنهم متعرضون لأنواع من البلاء والمحن ، كما تعرض الأنبياء السابقون لمختلف أنواع الشدائد ومقاساة الهموم ، فصبروا وثبتوا ، حتى تحقق لهم الفرج والنصر ، لأن دخول الجنان والفوز برضوان الله يتطلب الجهاد ، وتحمل الشدائد ، والصبر على الأذى ، واجتياز محنة الفتنة والاختبار بنجاح وثبات ، دون تسخط ولا تبرم ولا ضجر ، ولا انحراف عن خط الهداية ، والقيام بأعباء التكاليف الإلهية. وليس للمؤمن الحق أن يستبطئ النصر ، فإن نصر الله لأوليائه وأحبائه قريب.
هذا مثل صادق للعبرة والعظة بما تعرض له الأنبياء السابقون وأتباعهم المؤمنون ، فأنتم أيها المسلمون في صدر الإسلام ، لم تبتلوا مثل ابتلائهم ، مسّتهم الشدة والخوف والفقر والآلام والأمراض ، وأزعجوا إزعاجا شديدا ، حتى اضطر الألم والقسوة إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بالله تعالى وأوثق بنصره : متى نصر الله؟ حيث كاد أن ينفد صبرهم من هول ما لا قوا ، فأجيبوا : ألا إن نصر الله قريب التحقق والحصول ، وكما قال تعالى في آية أخرى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ، جاءَهُمْ نَصْرُنا ، فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف ١٢ / ١١٠].
وفي هذا كله (موقف الأنبياء وموقف المسلمين الأوائل) عبرة لمن يأتي بعدهم ، ويظنون أن الإسلام عبادة فقط ، دون أن يمروا بشيء من الاختبار ، أو يتعرضوا لنوع من الإيذاء ، والمصائب والشدائد ، جهلا منهم بسنة الله في ابتلاء أهل الهداية ، من أجل التعرف على مدى قدرتهم في الثبات على الحق والإيمان ، وما تتطلبه الدعوة إلى الله من عناء ومقاساة ، قال الله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة ٢ / ١٥٥] وقال عزوجل : (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا