بالله ، والصد عن المسجد الحرام (مكة) بمنع المسلمين من الحج والعمرة ، وإخراج أهله من مكة وهم النّبي صلىاللهعليهوسلم وصحبه ، كل ذلك أكبر إثما وأعظم جرما عند الله والناس من القتال في الشهر الحرام ، والفتنة أشد من القتل ، فأعمالهم المنكرة وفظائعهم الوحشية مع عمار بن ياسر وأبيه وأخيه وأمه وغيرهم أكبر بكثير من قتل الحضرمي ، أي أنكم أيها المسلمون ترتكبون أخف الضررين وأهون الشرين.
وما يزال أولئك المشركون أو الكفار على الشر والمنكر وقتال المسلمين حتى يردوهم عن دينهم ، ويحاولوا استئصال الإسلام من قلوبهم. ومن يوافقهم ويرتد عن دينه ، ويموت كافرا ولا يتوب بالرجوع إلى الإسلام ، فقد بطل عمله ، وذهب ثوابه وأجره ، وصار هباء منثورا ، وأصبح من أهل النار خالدا فيها ، وهذا جزاء الكافرين المرتدين.
وأما المجاهدون في سبيل الله كعبد الله بن جحش وأمثاله ، فهم الذين صدقوا بالله ورسله ، وفارقوا الأهل والأوطان ، وتركوا مساكنة المشركين في ديارهم ، وكرهوا سلطان المشركين ، فهاجروا خوفا من الفتنة في الدين ، ولإعلاء كلمة الله ونصرة دينه ، وحاربوا في سبيل الله ، ولحقوا بالنبيصلىاللهعليهوسلم ، فأولئك يطمعون في رحمة الله ، وأولئك هم الكمّل ، فالله يجازيهم أحسن الجزاء ، ويستر ذنوبهم ، ويرحمهم بفضله وإحسانه ، وهو الغفور الرحيم بهم وبأمثالهم. هذا المعنى على أن السائلين من الصحابة.
وهناك رواية أخرى (١) : وهي أن وفدا من المشركين سأل النّبي صلىاللهعليهوسلم عن القتال في الشهر الحرام ، وحينئذ يكون المعنى : أن المشركين متناقضون ، يتمسكون بحرمة الشهر الحرام ، ويفعلون ما هو أكبر من ذلك : من الصد عن
__________________
(١) اختلف في السائلين عن ذلك ، فقال الحسن البصري وغيره : إن الكفار هم الذين سألوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على جهة العيب على المسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام. وقال آخرون : المسلمون سألوا عن ذلك ، ليعلموا كيف الحكم فيه (أحكام القرآن للجصاص : ١ / ٣٢٢).