والفرق بين المشركة والكتابية واضح ، وهو أن الأولى لا تؤمن بدين أصلا ، وأما الثانية فتشترك مع المسلم بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وبالحلال والحرام ، ووجوب فعل الخير والفضيلة ، والبعد عن الشر والرذيلة.
وأجاز الشرع زواج المسلم بالكتابية ، ولم يجز زواج المسلمة بالكتابي ، لأمر واضح أيضا وهو أن الكتابية لها أن تبقى على دينها بزواجها بمسلم ولا تتضرر فيما تدين به ، ولأن المسلم يؤمن بدينه المتضمن الإقرار بأصول الأديان الأخرى ، ومنها الدين اليهودي والدين النصراني في أصوله الأولى التي تتفق مع الإسلام في الدعوة إلى التوحيد والفضائل الإنسانية ، فهي مع المسلم في دائرة متسعة تسع دينها وغيره ، وربما إذا لمست روح التسامح وحسن المعاملة من زوجها عاشت سعيدة هانئة معه دون تضرر.
وبما أن للرجل عادة سلطة القوامة على المرأة ، وهي أقوى من سلطة المرأة ، فلو تزوج الكتابي المسلمة أمكن التأثير عليها ، فربما تركت دينها ، وتضررت غالبا بمعاشرة زوجها ، لعدم توافر الانسجام والوئام الروحي والحسي ، والكتابي لا يؤمن بالإسلام ، فتكون معه في دائرة ضيقة الأفق ، وهي متسعة الاعتقاد ، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، فعزة المسلمة تأبى عليها أن تكون زوجة لكتابي.
هذا ما عليه جمهور العلماء ، مع القول بأن زواج المسلم بالكتابية مكروه ، وحينئذ تحمل الآية هنا على العرف الخاص ، وهو المشركة بالمعنى الضيق (أي عابدة الوثن وأمثالها) ، ولا تكون الآية منسوخة ولا مخصصة ، وإنما تفيد حكما : هو حرمة نكاح الوثنيات والمجوسيات ، وتكون آية المائدة (وَالْمُحْصَناتُ ..) المتقدمة مفيدة حكما آخر هو حل الزواج بالكتابيات ، فلا تعارض بينهما ، فإن ظاهر لفظ الشرك لا يتناول أهل الكتاب ، لقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ