رَبِّكُمْ) [البقرة ٢ / ١٠٥] وقوله : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) [البينة ٩٨ / ١] ففرّق بينهم في اللفظ ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. وأيضا فاسم الشرك عموم وليس بنص ، وقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بعد قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) نص ، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما لا يحتمل.
وذهب بعضهم إلى أن لفظ (الْمُشْرِكاتِ) يعم كل مشركة ، سواء أكانت وثنية أم يهودية أم نصرانية ، ولم ينسخ أو يخص منها شيء ، فيكنّ جميعا قد حرم على المسلم زواجهن. روي عن ابن عباس أنه قال : إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات ، وكلّ من على غير الإسلام حرام. فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في «المائدة». ويؤيده قول ابن عمر في الموطأ : «ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة : ربّها عيسى». وروي عن عمر بن الخطاب القول بحرمة الكتابيات ، وأنه فرّق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين ، وقالا : نطلّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب ، فقال : لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما! ولكن أفرّق بينكما صغرة قمأة. لكن قال ابن عطية : وهذا لا يستند جيدا ، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما ، فقال له حذيفة : أتزعم أنها حرام ، فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. وروي عن ابن عباس نحو ذلك. وذكر ابن المنذر جواز نكاح الكتابيات عن عمر (١). وهذا ما عليه الأمة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم.
والخلاصة : أن الذي صح إسنادا عن عمر هو إباحة زواج المسلم بالكتابية ، وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رضياللهعنهما نكاح اليهودية والنصرانية حذرا من
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٣ / ٦٨