فقال مالك : الرضاع حق على الوالدة إذا كانت زوجة أو لم يقبل الولد ثدي غيرها ، واستثنى من ذلك الشريفة فلم يجعل حقا عليها ، عملا بالعرف الذي كان عليه العرب وقت نزول الآية (١) ، فكان نساء قريش يلتمسن المراضع بأجر أنفة واعتزازا.
وقال الجمهور : إن ذلك مندوب ، إلا عند الضرورة كأن لم يقبل ثدي غير الأم ، لقوله تعالى : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) [الطلاق ٦٥ / ٦].
ومدة الرضاع التام : سنتان ، لاحتياج الطفل إلى اللبن فيهما ، ولا مانع من جعله أقل من ذلك حسبما يرى الوالدان المصلحة ، ويعوّد الولد الآن بتناول شيء من الغذاء مع اللبن في أواخر الحول الأول ، ثم يفطم إذا استغنى عن اللبن بالطعام المعتاد.
وإنما قال الله (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) لئلا يتوهم أنه أراد حولا وبعض الثاني. والمقصود من تحديد مدة الرضاع بحولين كاملين ليس وجوب ذلك ، لأنه قال : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فهو يدل على أن الإرضاع في الحولين ليس بحد أدنى لا يتعدى ، وإنما ذلك لمن أراد الإتمام ، أما من لا يريده فله فطم الولد دون بلوغ الحولين إذا لم يكن فيه ضرر للولد ، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ ، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) [البقرة ٢ / ٢٣٣] فالمقصود بيان المدة التي يرجع إليها عند الاختلاف ، أو بيان المدة القصوى قضاء.
وعلى الوالد كفاية المرضع من طعام وكسوة ، للقيام بحق الولد ، وأجرة لها على الإرضاع ، واستئجار الأم غير جائز ما دامت في الزواج أو العدة ، ويجوز عند الشافعي رضياللهعنه مطلقا. وتقدير الأجرة على قدر حال الأب من اليسار والإعسار والتوسط ، كما قال الله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٣ / ١٦١