ثم أبان الله تعالى ما يباح بعد انتهاء العدة بقوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ..)(١) فخاطب الأولياء بأنه إذا أتممن عدتهن ، فلا إثم عليكم أيها الأولياء وجميع الناس فيما فعلن في أنفسهن ما كان محظورا عليهن قبل ذلك من التزوج فما دونه من التزين ، والتعرض للخطاب ، واختيار الأزواج وتقدير الصداق ، والخروج من البيت على الوجه المعروف شرعا وعرفا : وهو ما أذن الله لهن فيه ، والله بما تعملون خبير ، فهو محيط بدقائق أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها ، ويعلم من يعضل النساء فيجازيه ، ويعلم من يحسن توجيه النساء نحو التزام حدود الشرع ، أو يتساهل ويفرط في حقوق الله ، فإن جعلتم نساءكم تسير على نهج الشرع سعدتم ، وإن فرطتم وانحرفتم عن حدود الله وقعتم في الشقاء والعذاب.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآية في عدة المتوفى عنها زوجها ، وظاهرها العموم ، ومعناها الخصوص فهي مخصوصة بغير الحوامل ، لقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق ٦٥ / ٤].
وأكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) [البقرة ٢ / ٢٤٠]. لأن الناس كانوا في مبدأ الإسلام إذا توفي الرجل وخلّف امرأته حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة ، وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر ، وبالميراث.
__________________
(١) بلوغ أجلهن : هو انقضاء المدة المضروبة في التربص ، والمخاطبون بعليكم : الأولياء أو الأئمة والحكام والعلماء ، إذ هم المرجع.