وعلى هذا تترتب الأحكام في هذه الآية :
١ ـ الأعمار والأقدار والبلايا والأمراض بيد الله ، والإيمان بذلك واجب ، ولن يغني في الواقع حذر من قدر ، ولكن لما كانت الأقدار غير معروفة لدينا ، جاز للإنسان اتخاذ أسباب الوقاية من المكاره ، وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها ، والحذر من المهالك ، قال الله تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء ٤ / ٧١] وقال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة ٢ / ١٩٥] فإذا نزلت المصيبة فعليه الصبر وترك الجزع ، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها ، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها ، فرارا منه. وهكذا الواجب على كل متقّ من الأمور غوائلها ، سبيله في ذلك سبيل الطاعون. وهذا المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام : «لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا» (١).
وهذا ما دلت عليه الأحاديث ، روى الأئمة ، واللفظ للبخاري من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر الوجع (٢) ، فقال : «رجز أو عذاب عذّب به بعض الأمم ، ثم بقي منه بقية ، فيذهب المرة ويأتي الأخرى ، فمن سمع به بأرض ، فلا يقدمنّ عليه ، ومن كان بأرض وقع بها ، فلا يخرج فرارا منه».
وبمقتضى هذا الحديث ونحوه عمل عمر والصحابة رضوان الله عليهم ، لما رجعوا من سرغ(٣) حين أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بالحديث ، على ما هو مشهور في الموطأ وغيره. روى الزهري عن ابن عباس : أن عمر خرج إلى الشام ،
__________________
(١) رواه الشيخان (البخاري ومسلم) عن أبي هريرة.
(٢) ورد الحديث في البخاري في كتاب الحيل بلفظ الوجع ، وفي كتاب الطب بلفظ الطاعون.
(٣) سرغ : قرية بوادي تبوك على طريق الشام ، وهي على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة.