حتى إذا كان بسرغ ، لقيه التجار ، فقالوا : الأرض سقيمة ، فاستشار المهاجرين والأنصار ، فاختلفوا عليه ، فعزم على الرجوع ، فقال له أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله؟! فقال له عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نفر من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كان لك إبل ، فهبطت بها واديا له عدوتان (١) : إحداهما خصيبة ، والأخرى جديبة ، ألست إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجديبة رعيتها بقدر الله ، فجاء عبد الرحمن بن عوف ، فقال : عندي من هذا علم ، سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول :
«إذا سمعتم به في أرض ، فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه» فحمد الله عمر وانصرف.
ومعنى قول عمر : لا محيص للإنسان عما قدره الله له وعليه ، لكن أمرنا الله تعالى بالتحرز من المخاوف والمهالك ، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات. وإذا كانت الآجال محصورة لا تتقدم ولا تتأخر عن وقتها ، فإن وجه النهي عن دخول أرض الطاعون في الحديث : هو أن الإنسان لو مات فيها فلا يقول : لو لم يدخلها ما مات.
٢ ـ وجوب القتال : قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ..) خطاب لأمة محمدصلىاللهعليهوسلم بالقتال في سبيل الله ، في قول الجمهور ، وهو الذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العليا ، وسبل الله كثيرة ، فهي عامة في كل سبيل. قال مالك : سبل الله كثيرة ، وما من سبيل إلا يقاتل عليها أو فيها أو لها ، وأعظمها دين الإسلام ، لا خلاف في هذا.
__________________
(١) العدوة : جانب الوادي وحافته ، قال الله تعالى : وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى والخصيبة والخصبة بمعنى واحد.