مع أن القتال يحقق لهم أسمى الآمال من استرداد الحقوق المغتصبة ، وتطهير البلاد من المحتل والعدو القاهر ، وتتويج الجهود بالعزة والكرامة والفوز والغلبة.
٢ ـ إن الملك أو الحكم ليس بالوراثة أو بالغنى ، وإنما بالكفاءة والعلم والمهارة ، وقوة الشخصية ، وصلابة الإرادة. قال ابن عباس : كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجمله وأتمه ، وزيادة الجسم مما يهيب العدو. وقيل : سمي طالوت لطوله.
وقد بين الله في هذه الآية تعليل اصطفاء طالوت ، وهو بسطته في العلم الذي هو ملاك الإنسان ، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء.
فتضمنت الآية بيان صفة الإمام وأحوال الإمامة ، وأنها مستحقة بالعلم والدين والقوة ، لا بالنسب ، فلا حظّ للنسب فيها ، مع العلم وفضائل النفس ، وأنها متقدمة عليه ، لأن الله تعالى أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوّته ، وإن كانوا أشرف نسبا.
ودل قوله تعالى : (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) على أن الله مالك جميع ما في الكون من إنسان وحيوان وجماد ، إذ إن إضافة ملك الدنيا إلى الله تعالى في الآية إضافة مملوك إلى ملك. ودلت الآية أيضا على أن منح الملك أو السلطة لإنسان إنما هو بمشيئة الله الذي لا يصدر عنه إلا الخير للناس ، فهو يصطفي لهم من يحقق المصلحة وتتوافر فيه الكفاءة المطلوبة.
٣ ـ لا ينضب الخير في الأمة ، فإن تولى الأكثرون عن واجب الجهاد ، فإن الخير في القليل ، والخيار هم الأقلون ، وهم يعملون ما لا يعمله الأكثرون ، والله عليم بأعمال هؤلاء فيجازيهم خيرا ، وعليم بأفعال الظالمين ، فيعذبهم بما يستحقون.