بعد ما تبين لهم الهدى ، اللهم إلا أن يتوبوا قبل أن يموتوا ، فالفرصة متاحة قبله ، وأما إذا بلغت التراقي فلا رجعة ، فلا توبة ولا ثوبة (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) :
.. زمن مبكر من العهد المدني ، والمسلمون فيه مبكرون من العهد الاسلامي المكي الذي لم يؤمروا فيه بحرب ، فطبعا تستثقل جماعة منهم تكاليف الجهاد الطائل ، فتهن عزائمهم ، راغبين في الهدنة السلم ، لحدّ قد يجنحون اليه ، فتتهدم قواعد القدرة والشوكة الإسلامية ، إلى ذلة شائكة استسلامية! فهنالك النهي التهديد عن الدعوة الى السلم وهنا ، مضمنا أسباب نجاحهم بمثلث : العلو الايماني ، والمعية المنتصرة الإلهية ، وثواب الأعمال المستمر ، فلا دعوة للسلم إذا ، وإنما قبول لها ككرامة إنسانية من العدو إن جنح للسلم : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) (٨ : ٦١).
«ف» إذ طمأنكم ربكم بنجاحكم عاجلا وآجلا ، وبإحباط أعمال الكافرين فيهما «لا تهنوا» عن الحرب في معارك الشرف والكرامة ، في سبيل الله ، في سبيل صالح الكيان الإنساني الإسلامي ، الفردي والجماعى ، ومن أذل وأرذل مظاهر الوهن حال رديئة خائبة : (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) (١) فلا تدعوا اليه دعوة ذليلة لعدوكم كأنه غالب عزيز والحرب لمّا تحتدم ، أم احتدمت ، كما ومن الوهن ترك ابتغاء القوم : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) (٤ : ١٠٤) ومنه الوهن لما يصيب المحارب في سبيل الله فيفشل فيفر من الزحف أم ماذا (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي
__________________
(١) الجملة معطوفة على «فلا تهنوا» عطف على المنهي فيقتضي لاء النهي كما في المعطوف عليه ـ ولا تدعوا الى السلم.