لمّا وردها ومتى؟ (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) تلكم الظفرة الزفرة المظفرة ، وانه لموقف مشرف عديم النظير ألا تتطاول أيدي المؤمنين المظفرين على من؟ على الذين آذوهم وشردوهم وقاتلوهم وعاملوهم طوال الرسالة ما لم يعامل به أحد من العالمين!
فبطن مكة هو داخل مكة وعقرها ، لا خارجها وخارج حرمها : الحديبية ، خلاف ما روت رواتها وفسرها مفسروها ، ولا سيما (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ولم يكن في الحديبية ظفر لا منهم ولا عليهم ، وإنما مصالحة المهادنة ، وإذا قيل عنها إنها فتح ـ فتح الصلح ـ فليس إلا لأنه فتح سبيلا إلى فتح مكة ، فقد كانت تنهار قوات المسلمين لو قاتلوا ، فلم يجدوا سبيلا لفتح الفتوح بعد ما انهارت قواتهم ، وانصدمت نفوسهم بقتلى.
فهنا موقفان مشرفان لفتح الفتوح ، يجعلانه في قمة الفتوح في معارك الشرف والكرامة طوال التاريخ : ان كف الله ايدي المشركين الكثرة عن المؤمنين القلة ، رغم انها كانت عليهم متطاولة طوال الرسالة في مكة وإلى المدينة في كل عام مرة أو مرتين ، وكانوا يستعدون دوما ويزدادون قوة لقضاء حاسم على المؤمنين ولكن ..
وموقف ثان هو أشرف ، أن كف الله ايدي المؤمنين المظفرين عن المشركين ، كفا للحمية وطبيعة الانتقام ، خلاف ما يفعله الفاتحون التوسعيون ، ولكي يعلم العالم ان فتح مكة ما هو إلا فتحا للقلوب لا توسعا وانتقاما بعد الاحتلال. هذا ـ ومن ثم الآيات التالية التي تتحدث عن جو الفتح تؤيد بطن مكة وظفرها ، ان ذلك كله ينحو منحى فتح الفتوح ، وإن شمل فتح الصلح في الحديبية هامشيا وكذريعة له على بعض الوجوه.
إن كف ايدي المشركين هنا عن المسلمين يعم صلح الحديبية وفتح مكة ، طالما كفّ ايدي المسلمين عنهم يخص الفتح بمكة (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)