فانه خاص بفتح مكة ، ف (بِبَطْنِ مَكَّةَ) ظرف للثاني ، والأول أعم من بطن مكة وظهرها الحديبية.
وكف ايدي الغزاة المسلمين عن هؤلاء المشركين الظالمين ـ الذي هو من منن رب العالمين ـ حجز المسلمين هنا عن ملابسات نفسية كثيرة ودقيقة لطيفة المدخل : من الزهو الذي قد يساور القلب ، او يتدسس إليه من سكرة النصر بعد طول الكفاح ، وفرحة الظفر بعد بعد العناء ، وهو مدخل يصعب توقيّه في القلب البشري.
ومن أمثال هذه الزهوات يؤمر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في سورة النصر أن يستغفر ربه : ليستر عنه ويسدده عنها وقد ستر : أن كف أيديهم عن المشركين.
فتراه إذ يدخل مكة فاتحا منتصرا ، مكة التي آذته وأخرجته وحاربته ووقفت في طريق دعوته عنيدة ؛ وعرقلت عليه ، تراه يدخلها منحنيا لله شاكرا على ظهر دابته ، ناسيا فرحة النصر وزهوته ، عفوا رحيما لا ينتقم.
وهذا هو الأدب الذي تتسم به النبوة دائما ، يريد الله به أن ترتفع البشرية الى آفاقه ، او تتطلع دوما إليها.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)
وترى من هم أولاء الذين كف أيديكم عنهم؟ إنهم حملة ثالوث الضلال إذ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله والرسالة الإسلامية السامية ، لا فحسب أن يكتفوا بسلبية الكفر : فلا على المسلمين ولا لهم ـ بل (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ان تأتوه طائفين ـ وصدوا (الْهَدْيَ) حالكونه (مَعْكُوفاً) صدوه (أَنْ يَبْلُغَ