اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٤٧ : ١٧) فلا تنال زيادة التقوى ولزامها إلّا أهلوها (جزاء من ربك عطاء وفاقا).
ويا لهما من معسكرين عديمي النظير في تاريخ الإنسان : مثلث السكينة التقوى بأهليتها ، وثالوث الكفر الصد عن المسجد الحرام والهدي معكوفا ان يبلغ محله ، التي تجمعها (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ)!
ايمان في أحسن تقويم وكفر في أسفل سافلين (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
فلما رأى الرسول رؤياه (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) في الحديبية (١) ووفى هو والمؤمنون بعهد الله وميثاقه فيها ، فقد حان حين صدق رؤياه في تحقيق عمرة الحديبية في السنة المقبلة :
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) :
ولقد زعمت جماعة كالخليفة عمر أن هذه الرؤيا لا بد أن تتحقق في الحديبية ولذلك شكوا سائلين الرسول بكل حمية ، فجاء الجواب أن صدقها في السنة المقبلة قبل الفتح وبعد صلح الحديبية ، كما سجلوه في وثيقة الصلح : أن يفسح لهم مجال العمرة ثلاثة أيام وقد فسحت ، ثم (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح مكة ، فانه هو دون ذلك ، لا صلح الحديبية ، وذلك لأن «ذلك» هنا
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٨٠ ـ اخرج الفرياني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال : أري الرسول (ص) وهو بالحديبية انه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين فلما نحر الهدى بالحديبية قال له أصحابه أين رؤياك يا رسول الله فأنزل الله الآية فرجعوا ففتحوا خيبر ثم اعتمر بعد ذلك فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة.
وفيه عن ابن عباس قال : كان تأويل رؤياه في عمرة القضاء.