ليس إلّا صدق رؤيا الرسول ، ولم تصدق إلّا في عمرة القضاء بعد الحديبية بسنة وقبل فتح مكة بسنة.
ف (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) التي أراها إياه في الحديبية ، صدقها «بالحق» بحق الصدق وصدق الحق ، صدقا يصاحب الحق ، والرؤيا هي : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) ولكن كيف؟
إنه صادق (إِنْ شاءَ اللهُ) وترى أن صدق وعد الله كذلك بحاجة إلى (إِنْ شاءَ اللهُ)؟! أجل ـ فإنه أدب دائب يؤدب به المؤمنون بالله أن يكونوا (إِنْ شاءَ اللهُ) ويروضوا أنفسهم على (إِنْ شاءَ اللهُ) حتى وفيما هو حتم حسب وعد الله كدخولهم المسجد الحرام للتطواف حول بيت الله!.
هذه المشية الإلهية يجب أن يعيشها المؤمن في صورتها الطليقة دونما تقيد بشيء حتى تستقر في القلوب ، ولكي تصبح حياة المؤمن صورة ووضاءة عن (إِنْ شاءَ اللهُ) فيكون في حياته كل الحياة مثالا لمشيئة الله ، ممثلا ل (إِنْ شاءَ اللهُ) فيعيش مشيئة الله حتى فيما يراه حتما كما وعد الله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) فهو هو الله الذي يقول هنا عن صدق الرؤيا (إِنْ شاءَ اللهُ) ولكي نتأدب نحن بأدب الله ونستن بسنة الله.
ثم وليس دخول المسجد الحرام خائفين كما كان قبل الصلح ، بل (آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) : آمنين من بأس المشركين ، محلقين ومقصرين حيث كانت عمرة القضاء ، والمعتمر مخير بعد السعي بين الحلق والتقصير مهما كان الحلق أفضل وأحرى (١) خلاف يوم الحج الأضحى حيث الحلق متعين إلّا لمن استثنى.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٨١ ـ اخرج مالك والطيالسي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمران ان رسول الله (ص) قال : رحم الله المحلقين ـ قالوا : ـ