وليس الإظهار هو الإمحاء حتى لا يبقى دين إلا وهو يفنى ، وإنما هو الغلبة على الخصام رغم وجودهم ، ولكنهم ضعفاء هزلاء متخالفون مع بعض متعادون : من اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ ... وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٥ : ٦٤) ومن النصارى: (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى .. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٥ : ١٤).
وأما من سواهم من مليين ومشركين وماديين فلا نعرف عنهم في دولة القائم شيئا ، هل هم كذلك كائنون على ضعف أم بائدون ، وإنّ ما نعرفه هو ظهور دين الحق على الدين كله ، وعلّه يلمح إلى وجود الدين كله حتى يظهر الإسلام على الدين كله.
(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ظهورا بآياته في قرآنه المجيد ، فإنه قوي بذاته ، شاهد لظهوره بمؤهلاته ، زاحف بلا سيف ولا حيف ، لما في كيانه من استقامة مع الفطر والعقول ، ومع نواميس الكون ككل ، وما فيه من استجابة لمتطلبات الحياة والأحياء ما طلعت الشمس وغربت.
وفيما يلي ـ لآخر آية من سورة الفتح ـ تلميح مليح بشرطي ظهور هذا الدين في شطري الرسول والمرسل إليهم ، فيها رمز استمرارية الفتح المبين ، دون وقفة على الفتح الأول ، فلا يزالون فاتحين ما داموا يحملون هذه الرسالة السامية كما يجب وقدر ما حملوا مما حمّلوا :
* * *
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً