دون أية نسبة أو قرابة ، أو أن تكون عليه (لا معه) غريبا عنه وأنت تعاصره وتواطئه مشاهدا له ليل نهار وأنت من أنسب أنسبائه أو أقرب أقربائه ـ ف (إن ولي محمد من والى الله ورسوله وإن بعدت لحمته وإن عدو محمد من عادى الله ورسوله وإن قربت لحمته) إذا فلا تعني هذه المعية إلا أن تنحو منحاه في رسالة السماء تطبيقا ونشرا له في الأرض :
فكما أن الرسول كان شديدا على الكفار دون مواربة ولا مداهنة ولا أنصاف حلول ، كذلك (الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ، وهذه هي سمة الايمان ألّا تعرف في سبيل الله أيا من هذه وتلك : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ..) (٥٨ : ٢٢).
ولا تعني الشدة على الكفار الإساءة إليهم وإن كان يؤمل منهم رشد ، وإنما السياج القويم الحاجز بينهم وبين الكفار ، لا يسمح بتدخل في شئون المسلمين ثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو أخلاقيا أم ماذا ، ثم لا يسمح لمسلم أن يوادهم ويواليهم ، فآخر أمرهم معهم : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وأوله أن يهدوهم الصراط المستقيم ، دون أن تكون هناك متوسطات في مداهنات أو مواربات.
فهم يجتازون وشائج القرابات وسائر الحميات في ظلال وشائج الايمان إلى تحقيق مرضات الله لأنهم حزب الله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥٨ : ٢٢).
وكما أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ (١) رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٩ : ١٢٩) قائلا لهم لا يرحم الله من لا يرحم الناس (١)
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٨٢ ـ أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن جرير عنه (ص) :