ان الغيبة وهي ذكر العيب بظهر الغيب بكتابة أو إشارة أو لسان أو أيا كان ، أو «ذكرك أخاك بما يكرهه» انها إساءة إلى المغتاب إذ تغضبه إذا سمع وتخلق فيه الضغينة والعداء لمن اغتابه ، وإساءة إلى المجتمع الإسلامي السامي ، إذ تحلق فيه جوّ اللّاأمن الفوضى كدرا قذرا ، إفشاء للفاحشة في الذين آمنوا فجرأة جماعية على فعل الفاحشة : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢٤ : ١٩) ففيها تضييع لحق فردي وآخر جماعي ، فما أفحشها فاحشة وما أنكاها.
ترى كيف يغتاب مؤمن أخاه وهو منه وبعضه؟ وكيف يتفكه باغتيابه كما هو شأن كل مغتاب؟ وما مشهد الاغتياب في الرزء والاكتئاب ، إلا كأخزى مشهد تتأذى له أكثر النفوس خسة وأقلها حساسية ، وهو مشهد الأخ يأكل لحم أخيه ميتا : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)؟ فحب الغيبة تفكها يضاهي حب أكل لحم أخيك الميت ، فالنيل من عرضه كأكل لحمه ، وهو في غيابه ، كأكل لحمه ميتا (١) أفلا تكرهونه؟ «فكرهتموه» : ثالوث الكراهية العريقة في كل أحد وان كان في أدنى درجات الإيمان ، فلم يقل
__________________
(١) الدر المنثور : اخرج ابن أبي حاتم عن السدي ان سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما ، وان سلمان نام نوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا : ما يريد سلمان شيئا غير هذا ان يجيء الى طعام معدود وخباء مضروب فلما جاء سلمان أرسلاه الى رسول الله (ص) يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال : يا رسول الله (ص) بعثني اصحابي لتؤدمهم ان كان عندك ، قال : ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا ، فرجع سلمان فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله (ص) فقالا : والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا ، قال : انكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما ، فنزلت (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً).
وفيه عن أنس ان الرجلين هما ابو بكر وعمر وفيه : بأي شيء ائتدمنا؟ قال (ص) : بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما ، فقالا : استغفر لنا يا رسول الله (ص)؟ قال : مراه فليستغفر لكما.