هؤلاء الناشئون الذين يتحننون للوالدين ، وانما يتحيّنون الفرص لاستغلالهما في سبيل تبني حياتهم المستقبلة ، فهم وهم فقط بحاجة الى إيقاظ فطرة الحنان والطاعة والإحسان بالوالدين ، بكل تبشير وإنذار ، وبصورة مطلقة لا يحجزها اي حاجز مادي ولا نفسي ، اللهم إلّا ان يحملاه للاشراك بالله ، فترك الطاعة فيه باحترام دونما اخترام مع استمرارية المصاحبة الطيبة في دنياهما ، مهما خسرا أخراهما ، على ان الإحسان بهما لا يختص بالنواحي الظاهرية المادية ، فأحرى لهما النواحي النفسية والروحية ، فمحاولة الأولاد ـ بوسائط أو دون وسائط ـ لاهداء الوالدين ان كانا ضالين ، إنها أحرى ما يكون من الإحسان بهما ، أن تضمن اسعادهما في الحياتين.
ثم وحق الولد على الوالدين أن يعلما انه منهما ومضاف إليهما في عاجل الدنيا وآجله بخيره وشره ، فليعملا في أمره عمل من يعلم انه مصاب على الإحسان اليه معاقب على الاساءة اليه.
ثم الوالدة أحق من الوالد في واجب الإحسان بها لأنها تتحمل وتعمل اكثر من الوالد في الأكثر ، يوحي بذلك ذكر متاعبها فقط بعد الوصية بحقهما جميعا كما هنا : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وفي غيرها : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٣١ : ١٤).
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ..) عرفنا كره الوضع أنه شاق بأي وضع ، فما هو كره الحمل؟ هل هو حمله بعد الثقل؟ أم وحمله منذ اللقاح وإلى الثقل؟ أقول : إن بداية الحمل للباكر كره إذ تفتضّ وتجرح ، رغم اللذة التي معها (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ثم كره آخر منذ الحمل وحتى الوضع هو حمله وامتصاص الحمل في كافة أدواره من رمق الأم ، غذاء ودماء أم ماذا.