اعبدوه لعلكم تتقون ـ خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ، ولا ذريعة للتقوى إلا العبادة ، ترى أن تقوى العابدين عما هم يحذرون ، هي راجعة الى رب العالمين؟!
فالعبادة ، والتقوى الناتجة عنها ، هي الهدف الرئيسي من خلق الجن والإنس ، وهي الرحمة المقصودة من خلقهم : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١١٩) خلقوا للرحمة ، لا للعذاب ومنه الاختلاف ، وان كان الكثير منهم يميلون للعذاب بما قدمت أيديهم ، وكأنهم ذرءوا لجهنم : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) لا ذرء وخلقا هادفا للعذاب ، وانما للرحمة ، ولكنهم ـ (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩). انه ليس من الله إلا ان يعبدوه ويتقوا فيرحموا ويثابوا ، وكما فطرهم على معرفته وعبادته (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠) وكما زادهم هدى مجملة الرسالات ومختلف ألوان الدلالات ، ولكن أكثرهم عموا وصموا واستحبوا العمى على الهدى.
فخلقهم للعبادة والتقوى ، ودلالتهم لها ، عمل إلهي أصيل ، ورحمة إلهية اصيلة ، ثم ذرئهم لجهنم ليس أصلا في خلقهم ، وانما كنتيجة لطغواهم ، فلم يخلقهم إلا لتقواهم ، لا كالأنعام او أضل ، وانما في أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) كأصل إلهي (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) كجزاء لما قدمت أيديهم ، وان الله ليس بظلام للعبيد.
ترى لو أجمع الجن والإنس على الكفر بالله هل يضرونه في ذاته او صفاته؟ ام لو أجمعوا على عبادته هل ينفعونه شيئا؟ كلا! (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (١٤ : ٨) (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ