ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ..».
ثم ترى هل العبادة المقصودة من الخلق هي اللااختيارية التكوينية! وهي لا تخص الجن والانس! ف (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (١٩ : ٩٣) أم هي الاختيارية التشريعية؟ وهي قليلة قليلة ، بجنب الكثير من العصيان والطغيان! (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣٤ : ١٣) فكيف تعتبر غاية وحيدة للخلقة؟.
نقول : ان التكوينية منها كائنة لا محالة فليست هي الغاية ، والتشريعية هي المقصودة تخييرا لا تسييرا ، فعلينا العمل إذ يسرنا لله لما له خلقنا ، وكما يروى عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وحصول هذه الغاية المجيدة في الأقلين كالمرسلين وسائر المعصومين ، وكالصالحين ، يكفي حكمة لخلق الجنة والناس أجمعين ، مهما انفلت الكثيرون من تحقيق هذه الغاية وتذرعوا للجحيم وكأنما ذرءوا لها!.
فالعبادة هي غرض اختيارى للخلق ، يحصل ممن يختارها ، ثم الفالت عن هذا الغرض لا يجعل خلق نفسه عبثا كفعل الله ، وانما عبثا كفعله نفسه ، ثم وهناك غايات اخرى من خلقه.
فهنا الغرض العبادي من خلق الجن والإنس حاصل كتشريع واختيار ، وغير حاصل كتكوين وإجبار ، فلم تكن العبادة المسيّرة المجبر عليها غرضا لكي يكون الخلق إذا عبثا! حيث المستثنى منه في الآية ليس كل شيء ، وإنما «لشيء من الأفعال المختارة» استيحاء من المستثنى : (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) لشيء من الأفعال الاختيارية (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة ـ وهي عمل تشريعي اختياري ـ لا تستثنى إلا عن أضرابها من الأمور الاختيارية : طاعة ومعصية وسواهما ، فقد استثنيت الطاعة عن هذا المثلث ، ثم ولا يعني هذا