تحقيقا لأمر الله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً).
إن الأربعين هنا هو أبلغ الأشدّ ، كما الأشد جمع الشّد : هو الاستحكام في طاقات نفسية وبدنية تجعل الإنسان مستقلا في حياته الفردية والجماعية ، فللإنسان أدوار أربعة : الطفولة وبلوغ الشد والأشد والشيخوخة : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) (٤٠ : ٦٧) فالطفل هو الطفيلي المتطفل في حياته ، المتكفّل بها في شئونها من قبل الوالدين أو غيرهما ، حيث لا يستوي في حياته دون كافل ، ثم إذا يبلغ أشده ـ : لا فقط شده ـ يستقل ، فلا يعني هنا شدّ العضلات والبنية الجسدانية فحسب وإنما (أَشُدَّهُ) وأقلها مثلث : العقل ، والحكمة والجسم بحيث يستطيع الإصلاح في ماله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (٦ : ١٥٢) : وفي حاله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (١٢ : ٢٢) الحال الجامعة ـ لأقل تقدير ـ بين العقل والحكمة ثم في الأشد المزيد.
وإذا استمرت الأشد في التعامل والتكامل ، تصل إلى الأبلغ في كمال السن :. وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) كأصدق مصاديق الأشد ، ثم بين الأشدين بداية ونهاية متوسطات ، وليس أولها بداية التكليف ، فإن بلوغ العقل والجسم ، ـ بل العقل فقط ـ كاف في جري قلم التكليف ، اللهم في الجسم الذي لا يتحمل حمل بعض التكاليف البدنية ، كالصوم أم ماذا ، فلا يجري قبل السن المحدد للتكليف ، ولكنما العقل ، والعقل فقط ، إذا بلغ شدّه ، فصاحبه مشدود بحبل التكليف ، ثم إذا أضيف اليه شد الرشد والحكمة ، فلا يكلف أحد في
__________________
ـ اصحاب النبي (ص) فقال علي (ع) : لا رجم عليها ، ألا ترى انه يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) وكان الحمل هنا ستة أشهر فتركها عمر ، قال : ثم بلغنا انها ولدت آخر لستة أشهر.